فن وإعلام

في يومهم الوطني: عين على نساء ورجال الأرشيف

عزيز لعويسي

يحتفي المغرب باليوم الوطني للأرشيف الذي يصادف الثلاثين من شهر نونبر من كل سنة، وهو يوم يوثق لتاريخ صدور أول قانون أرشيفي في مغرب الاستقلال، ويتعلق الأمر بالقانون رقم 69.99 المتعلق بالأرشيف (30 نونبر 2007)، الذي شكل دعامة صلبة للمنظومة القانونية والتنظيمية الوطنية التي استكملت آخر لبناتها وهياكلها على التوالي بإصدار المرسوم التطبيقي رقم 2.14.267 (القاضي بتحديد شروط وإجراءات تدبير وفرز وإتـلاف الأرشيف العادي والوسيط وشروط واجراءات تسليم الأرشيف النهائي (4 نونبر 2015))، وبالمرسوم 2.17.384 (المتعلق بإحداث المجلس الوطني للأرشيف (8 غشت 2017)).

إذا كانت المناسبة تقتضي توجيه البوصلة نحو المؤسسة الحاضنة للأرشيف العمومي (أرشيف المغرب)، من حيث أدوارها وحدود اختصاصاتها وتدخلاتها، والنبش في حفريات حصيلتها السنوية، ورصد برامجها الآنية ورهاناتها المستقبلية، فيصعب الحديث عن المؤسسة بمعزل عما تتوفر عليه من أطر وكفاءات على جانب كبير من الخبرة والتمرس في مجال تدبير الأرشيف العمومي، وفي هذا الصدد، وعلى الرغم من تواضع الحصيص، استطاعت المؤسسة منذ انطلاقتها الفعلية غضون سنة 2011، تحت الإدارة الفعلية للأستاذ الجامعي والمؤرخ "جامع بيضا"، أن تحقق عدة نجاحات ومكاسب رغم عمرها القصير، سواء على مستوى مهام حفظ وصيانة وتثمين التراث الأرشيفي الوطني، أو على مستوى ما أبرمته من اتفاقيات شراكة متعددة الزوايا مع عدد من الهيئات الأرشيفية والسياسية والعلمية الوطنية والدولية، أو على مستوى احتضان عدد من الأرصدة الوثائقية الخاصة، أو على المستوى التواصلي والإشعاعي والعلمي والثقافي والتربوي..

وكلها نجاحات ومكاسب ما كان لها أن تتحقق على أرض الواقع، لولا وجود طاقم أرشيفي مكون من مجموعة من الأطر والكفاءات من خريجي الجامعات والمدارس العليا، قادمين من تخصصات وحقول معرفية وأكاديمية مختلفة، لكن جمعهم عبق التاريخ وأريج الذاكرة ونفحات الهوية المشتركة، ووحدتهم مسؤولية حفظ وحماية الوثائق الأرشيفية، في إطار مهمة محورية تتجسد تفاصيلها في "حفظ وصيانة وتثمين التراث الأرشيفي الوطني"، تتفرع عنها مهمات متعددة الأبعاد، من قبيل "المواكبة والمساعدة التقنية اللازمة لإعداد برامج تدبير الأرشيف لفائدة الإدارات العمومية والجماعات الترابية والمؤسسات والمقاولات العمومية، وكذا لفائدة الهيئات المكلفة بإدارة مرفق من المرافق العامة" و"جمع الأرشيف بشكليه "العامة"(الذي يتوفر على قيمة علمية أو إحصائية أو تاريخية أو تراثية بعد انقضاء فائدته الإداريــة) و"الخاصة"(أرشيف الخواص الذي يكتسي أهمية تاريخية من قبيل أرشيف العلماء والشخصيات العمومية والجمعيات والأحزاب السياسية والنقابات ...، وهو أرشيف يمكن للمؤسسة احتضانه عبر عدة آليات قانونية حصرها المشرع الأرشيفي في الشراء أو الهبة أو الوصية أو الوديعة القابلة للاسترجاع)، أو مهام ''المعالجة" (إزالة الشوائب وكل ما يمكن أن يلحق الضرر بالوثائق، إضافة إلى التوصيف والترتيب والتصنيف وإعداد أدوات البحث في الأرصدة) و"الحفظ" داخل مستودعات مؤمنة ومجهزة بأدوات حديثة طبقا للمعايير الدولية، وكذا مهام "إتاحة الاطلاع على الأرشيفات المعالجة"، تشجيعا للبحث العلمي داخل قاعة المطالعة (عبر الإدلاء ببطاقة الانخـراط السنوية أو ترخيص استثنائي تمنحه المؤسسة عند الاقتضاء وفق النظام الداخلي للمؤسسة..)

أرشيفيات وأرشيفيون، يستحقن ويستحقون بمناسبة يومهم الوطني، أصدق التحايا وأطيب الأماني اعترافا بما يسدونه للوطن من خدمات جليلة، في سبيل حفظ التاريخ المشترك وصون الذاكرة الجماعية، وتقديرا لهم عما حققوه من نجاحات ومنجزات، وبهم وبفضلهم، باتت "أرشيف المغرب" مؤسسة عمومية وطنية على جانب كبير من الأهمية والإشعاع الوطني والدولي رغم عمرها القصير، وباتت معها "الممارسة الأرشيفية" خاضعة لسلطة القانون الأرشيفي ولمقتضيات مرسومه التطبيقي، بعد سنوات من الفراغ والإهمال، ولا يمكن أن ندع فرصة اليوم الوطني للأرشيف تمر، دون المطالبة بالنهوض بالأوضاع المادية والمهنية والاجتماعية لمستخدمي "أرشيف المغرب" والاعتراف الرسمي بمهنة "الأرشيفي"، اعتبارا لأدوارهم "الاستراتيجية"، وقياسا لما شهدته مهنة "الأرشفة" من متغيرات عبر العالم، لم يعد معها دور "الأرشيفي" مختزلا في حدود جمع الوثائق الأرشيفية والمحافظة عليها أو حراستها، بل تجاوز ذلك إلى مستوى الاشتغال على مضامين هذه الوثائق عبر ما تمارسه مؤسسات ومراكز الأرشيف من أنشطة متعددة الزوايا (علمية، تاريخية، سياسية، ثقافية، تربوية، تواصلية ...)، وعبر ما باتت تخول له القوانين الأرشيفية المحلية، من صلاحيات تتيح له سلطة الحسم في مآل الأرشيفات إما بالحفظ أو بالإتلاف النهائي، ليكون بذلك، فاعلا مؤثرا في مصير الذاكرة والتاريخ والتراث والهوية ...

وإعادة النظر في الأوضاع المهنية والمادية لأرشيفيي المغرب، بات مطلبا ملحا لاعتبارات عديدة، من قبيل "ضعف الحصيص" (العنصر البشري) وانعدام "المقر اللائق" و"محدودية شروط التحفيز"(تعويضات محفزة عن المهام والمسؤوليات والتنقل والمخاطر المرتبطة بالمهنة ...)، و"عدم الاعتراف الرسمي بمهنة "الأرشيفي" (أرشيفيون مع وقف التنفيذ)، وهي معطيات مهنية من ضمن أخرى،  يصعب معها تطبيق مقتضيات قانون الأرشيف ومرسومه التطبيقي بالشكل المطلوب، خاصة فيما يتعلق باستقبال واحتضان الأرشيف النهائية، ومراقبة وتتبع واقع الممارسة الأرشيفية على صعيد الإدارات العمومية والجماعات الترابية، ورصد المخالفات الماسة بالأرشيف، والتنقل خارج الرباط للبحث والتحري عن الأرشيفات الخاصة ذات النفع العام، وفتح جسور التواصل مع الشخصيات العمومية ورجالات الفكر والثقافة والإعلام والإبداع ممن يتوفرون على وثائق أرشيفية خاصة، من شأنها إثـراء التراث الأرشيفي الوطني، والرهان على معارض ''القرب" لترسيخ ثقافة الأرشيـف وتكريس "أرشيف القرب"...، كما أن "الطابع الاستراتيجي" لأرشيف المغرب، يقتضي إحاطة المؤسسة الأرشيفية بكل الوسائل المادية والبشرية واللوجستية، لتضطلع بأدوارها كاملة، على أمل أن يكون "اليوم الوطني للأرشيف" فرصة لزحزحة القانون الأساسي الذي يؤطر عمل مستخدمي "أرشيف المغرب"، بما يضمن التعديل والتجويد، من أجل شغيلة أرشيفية مستقرة ومحفزة مهنيا واجتماعيا ونفسيا، لتكون في مستوى إشعاع مؤسسة "استراتيجية" تعد جسرا آمنا بين الماضي والحاضر والمستقبل ...

وإذا نزعنا اليوم وزرة الأستاذ ولبسنا زي المحامي للترافع والدفاع عن الشغيلة الأرشيفية، وعن أحقيتها في الارتقاء بأوضاعها المادية والاجتماعية والمهنية، فلأننا على اقتناع تام، أن ما يقومون به من مهام داخل أروقة ومكاتب "أرشيف المغرب"، يستحق كل الدعم وكل الاهتمام، لأنهم جنود كرسوا حياتهم لحماية ما يجمعنا كمغاربة من تاريخ وتراث وهوية وذاكرة، وهم بذلك يحمون ذاكرة الوطن، كما الجنود الذين يرابطون في الحدود دفاعا عن وحدة الوطن وسلامة ترابه، ومن الخجل أن نرتقي بأرشيف المغرب إلى مستوى المؤسسات العمومية ذات الطابع الاستراتيجي، دون أن يتم الارتقــاء بها على مستوى الموارد البشرية والوسائل المادية واللوجستية، وعلى رأسها الظفر بمقر لائق بمواصفات معمارية تجمع بين الحداثة والأصالة، عاكس لإرادة دولة تمشي قدما نحو الحداثـة ...

Laaouissiaziz1@gmail.com