رأي

المريزق المصطفى: من وجع كورونا...إلى دمار أفغانستان

فضلت هذا اليوم الكتابة عن جزء من صفحات التاريخ الذ ي هرب منا، وعن سلسلة الزمن التي تربط ماضينا بحاضرنا، وعن تعدد الطرق البرية والجوية والبحرية التي أدت بالجميع إلى العيش في أحضان قرية واحدة: قرية الحجر الصحي. هذه القرية العالمية  التي تعيش اليوم أسوأ أيامها بسبب الخوف والقلق من انتشار جائحة فيروس كورونا في العالم، من أقصاه إلى أقصاه.
إنها لحظة تاريخية لا نريد أن نستحضر  فيها  أشكال الرقي المادي أو المعرفي، او أي نوع من أنواع اختبار القوة أو الضعف، بل نريد أن نفكر في توفير المزيد من الأنوار والحصول على معرفة أفضل لما عانته البشرية، والانسان بصفة عامة، في وقت وفي زمن غير بعيد عنا.
و بعيدا عن الحزن الذي بات يعم حياتنا بسبب فيروس كورونا، وما أحدثه من معاناة، و من وجع، ومن خوف دائم من انتقال العدوى؛
نستحضر اليوم كذلك، على سبيل المثال وليس الحصر، صفحات من تاريخ معاناة أخرى، تأرجحت فيها العديد من الشعوب بين الموت والرغبة في الحياة والانتصار على الآلام والجراح. إنها معاناة الشعوب على حدود  الاحتلال والاستعمار والحرب والارهاب...
وفي هذا السياق الاستثنائي، نستحضر معاناة الشعب الأفغاني، الذي كلما اقترب الانسان من ربع قرن من تاريخه الأسود، كلما شاهد كل أنواع الصور الفضيعة، وكل المآسي التي مرت على شبابه ونسائه وشيوخه، بسبب الغزو الروسي، والأمريكي، والأمريكي-الانجليزي، وبسبب الحرب الأهلية والصراعات الطائفية...، و بسبب كل أنواع وأشكال الدمار الذاتي، والإرهاب الديني والعقائدي... و كل أنواع الحروب القاتلة التي أكلت البشر وقضت على الأخضر واليابس.
إنها معاناة شعب جربت فيه "الايديولوجيات" العالمية  كل أنواع وأشكال أسلحتها الفتاكة، ودمارها،  والتي تعد أكثر بكثير من ما فعلته الأوبئة والأمراض في البشرية. لكن، ورغم بشاعة الحرب والارهاب، والذعر والقتل الجماعي، قاوم الشعب الافغاني ولا زال ( وهو خامس أصغر دولة في العالم) كل أشلاء الحروب، وموجات الفيضانات والجفاف، بكل قوة وحماس. و بعد كل حرب، كانت تولد أفغانستان جديدة، ليتم تدميرها فيما بعد من طرف تجار الأسلحة والمنظمات الإرهابية الدولية، بإيعاز من قوى عظمى ودول الجوار، وعصابات الحرب الأهلية، وميليشيات الطوائف الارهابية، وضباط الجيش المحترفين.
ومع ذلك، أثبت الشعب الأفغاني حبه للوطن،  وإنتماءه لأرضه الغنية بالثروات الكبيرة والموارد الطبيعية والغاز والمعادن والنفط، وعشقه  لتاريخه الحضاري ولموقعه الجغرافي المعروف بمفترق الطرق الثقافية للحضارات الهندية والفارسية والصينية.
هكذا، ولكي ننسى معاناتنا مع كورونا، ولو مؤقتا، نستحضر معاناة المرأة الأفغانية، مع القتل العمد، والارهاب، والسجن والتعذيب بسبب " الجرائم الأخلاقية" ، و الزواج القسري غير القانوني، و العنف الأسري، والاغتصاب. كما نستحضر  واقع أزيد من نصف الأفغان ( حوالي 18 مليون أفغاني) الذين يعيشون تحت عتبة الفقر ، و أزيد من 23% يواجهون تحديات الأمن الغذائي، بسبب البطالة، والحرب، والفياضانات، والجفاف، والأوبئة، وارتفاع الأسعار...
أخيرا، و بعيدا عن نظرية المؤامرة وعن المتسبب في ظهور وانتشار فيروس كورونا،  أميركا أم الصين، نستحضر، وفي هذا الوقت بالذات، معاناة كل الشعوب مع الأوبئة التي اكتوت بنارها على مر العصور، كما نستحضر ما اقترفته الأنظمة الرأسمالية والشيوعية في حق شعوب كانت تدبر شؤونها الداخلية بنفسها، وفجأة وضعت تحت الحجر الاستعماري والإرهابي...