المرسوم: نصوص طموحة.. تنفيذ ميت
يبدأ المرسوم ببابه الأول الخاص بالترخيص بإقامة الحواجز أو البنايات أو التجهيزات، حيث تلزم المادة الأولى صاحب الطلب بتقديم تقرير تقني يبرز آثار المشروع في مكافحة الفيضانات، مع عقد تأمين إلزامي ضد الكوارث الطبيعية، واستشارة وكالة الحوض المائي خلال 30 يوماً للتأكد من عدم عرقلة سيلان المياه . في آسفي، تجاهلت الجماعات الترابية هذه الشروط صراحة، مسمحة ببناء متراص في مناطق مثل بئر أنزران والمدينة القديمة، المعروفة بتاريخها الفيضاني، مما حول السيول إلى قنابل موقوتة . هذا الإهمال ليس عفوياً؛ إنه انتهاك مباشر لروح القانون 36.15 الذي يُشدد على حماية "أطلس المناطق المعرضة للفيضانات"، الذي كان يجب إعداده خلال سنة واحدة من نشر المرسوم (المادة 3)، بتنسيق مع الداخلية والفلاحة والتعمير .
أما الباب الثاني، فيحدد المادة 4 مسؤولية وكالة الحوض المائي في وضع الأطلس بناءً على أبحاث ميدانية، مع مصادقة وزارية، ومخططات وقاية خلال 6 سنوات (المادة 6) بتنسيق مع مصالح الداخلية والتجهيز والأرصاد الجوية والجماعات . بعد مرور سنتين كاملتين، لم تُحدث وكالة الحوض السوسي أياً من هذه الوثائق لآسفي، رغم تكرار التحذيرات الجوية، مما سمح لـ100 ملم من الأمطار في ساعة واحدة بتحويل وادي أنزران إلى نهر مدمر . المادة 5 تلزم بمراجعة الأطلس كل 20 سنة أو عند الضرورة، لكن الضرورة اليوم واضحة: تغيرات المناخ زادت شدة الأمطار بنسبة 20%، ومع ذلك غابت المراجعة .
أنظمة الإنذار: غياب كارثي رغم الوعود
في الباب الثالث، تلزم المادة 8 وكالة الحوض بإعداد أنظمة مندمجة للتوقع والإنذار خلال 6 سنوات للمناطق عالية الخطر (مثل آسفي)، و10 سنوات للمتوسطة، بتنسيق مع الداخلية والأرصاد، عبر تجميع معطيات هيدرولوجية ورصدية ونماذج هيدروليكية (المادة 10) . المادة 11 تحدد عتبات "ما قبل الإنذار" و"الإنذار"، والمادة 12 تفرض نشرات فورية للسلطات المحلية عند بلوغها . في آسفي، لم تصدر أي نشرة فعالة، رغم توفر بيانات الأرصاد، مما يُحمّل الوكالة والمديرية العامة للأرصاد مسؤولية الـ37 قتيلاً مباشرةً؛ فالسكان غُمِروا دون إخبار، واللجان الإقليمية لم تُفعّل .
اللجان: هيئات شبحية تُغطي على التقصير
الباب الرابع ينشئ لجنة وطنية برئاسة الداخلية (المادة 13)، تضم ممثلي المالية والفلاحة والصحة والدفاع والأرصاد، تجتمع مرتين سنويا في ماي ونونبر، مع خلية عمل للطوارئ (المواد 14-16) . اللجنة الجهوية برئاسة والي الجهة (المادة 17)، والإقليمية برئاسة عامل العمالة (المادة 20)، ملزمة بالتنسيق والإجلاء فور الإنذار (المادة 23)، وإرسال تقارير إلى الوطنية . في آسفي، لم تجتمع أي لجنة؛ غابت الداخلية عن التنسيق، والوالي لم يُفعّل الإقليمية، تاركا الوقاية المدنية والأمن يواجهان وحدهما، بينما رئيس الحكومة "اختفى" عن الأنظار . هذا الغياب يفضح تناقضا: اللجان مُلزَمَة بـ"تجميع المعلومات لتقييم الخسائر" (المادة 14)، لكن الخسائر اليوم هائلة دون تقرير وطني .
الجماعات الترابية، مسؤولة عن التراخيص والتوعية (المادة 1)، منحت تصاريح لبناء في أودية معرقلة ، مخالفة شرط الاستشارة، مما زاد الضرر . وكالة الحوض السوسي فشلت في توجيه المخططات (المادة 5)، والداخلية في الإشراف، بينما القطاع الخاص بنى دون تأمين، محملًا السكان الخسائر .
مقتنيات انتقالية: ذريعة للتسويف
المادة 25 تُلزَم الجهات باتخاذ إجراءات مؤقتة للتوقع في انتظار الأنظمة، والمادة 26 تسند التنفيذ لوزيري الداخلية والماء . لكن الإجراءات المؤقتة غابت، مما يحدد مسؤولية بوضوح، فالمرسوم نُشِرَ في الجريدة الرسمية رقم 7258 بـ21 ديسمبر 2023، ومع ذلك لم يُفعَّل .
نحو محاسبة حقيقية أم استمرار الإفلات؟
مع فتح الوكيل العام بحثا قضائيا، يجب تطبيق عقوبات القانون 36.15 على الإخلال، مع تعديل المرسوم لفرض غرامات جنائية وصندوق تعويضات . آسفي تُحَذِّر: تغيرات المناخ قادمة، والإهمال قاتل. الشعب يطالب عدالة، لا تعازي عابرة، فالدماء ليست رخيصة، والكراسي ليست مقدسة .






