مجتمع وحوداث

الدينسيون هم خوارج القرن العشرين

محمد العمري ( كاتب و باحث في البلاغة و تحليل الخطاب)

(الدينسية كلمة محايدة. هي المقابل المفقود لكلمة علمانية، أو حتى مدنية. تعني ممارسة السياسة بالدين).

 مهما اختلف الدينسيون في التعبير، ومهما اجتهدوا في إبداء تفهمِ مطالب الحياة المدنية الحديثة، فإن سدرة المنتهى التي يتخيلون أن يوصلهم إليها اللفُّ العكسي لشريط التاريخ هي هذه التي ستجدها في الشريط المرفق، وفي أشرطة أخرى مما يحيل عليه.

سدرة المنتهى ذهب إليها "خليفة المستلمين" ابو يكر البغدادي مباشرة، دون لف أو دوران. الصراحة راحة!

وهي نفسها السدرة التي يصفها الشيخ المصري الحويني، وهو أعلم علمائهم بالحديث حسب زعمه، حين يَرُدّ الأزمة الأقتصادية التي يتخبط فيها المستلمون إلى التوقف عن الجهاد. فهو يؤكد بيقين أن المجاهد يستطيع اليوم أن يغنم كذا من الرؤوس (البشرية طبعا) فيبيع ويتمتع، كلما اعوزه المال، او اشتعلت الشهوة. 

مُتسلفةُ المغرب يزورون الشيخ الحويني، ويعتزون بأستاذيته، والآخرون يصفقون له مباشرة، أو من وراء حجاب.

وعلى أساس ما اقتسموه معه من افكار ومواقف حرضوا الشباب المغربي، والقوا به في سرير الحرب المستعرة في أفغانستان والعراق. أتذكر هنا قصة عائلة المجاطي، كما سردها الصديق مصطفى الحسناوي.

يمكنك أن تُعَرّيَ نحاسَ اي دينسي، وتعيده إلى خارجينه، وتجعلَه يكشف تَوَحشَه، بمجرد أن تحاصره بالحجة العقلية، والمصلحة الوطنية، وحقوق الإنسان، والمظالم المعاينة، وتعليل الظواهر موضوعيا، ...

يكفي ان تواجهه بالواقع الذي ليس له دافع، ليُشهِر في وجهك نفسَ النصوص، ونفس الفهم السطحي الذي بنى عليه خليفة المسلمين البغدادي وأمثاله مجتمع السبي والبيع والشراء في اليزيديات، وكل من عثرت بهن حظوظهن.

أتذكر أني كتبت مقالا، منذ أكثر من ثلاثة عقود بعنوان: خوارج القرن العشرين.

ذكرت فيه ما يجمع بين الخوارج والدينسيين، وهو فساد الفهم، والسرعة إلى التكفير وسفك الدماء.

كانت طائفة من الخوارج تبقر بطون الحوامل ممن تظفر بهن من نساء المسلمين، تطبيقا لفهمهم السقيم لقوله تعالى: "رب لا تذكر على الأرض من الكافرين ديارا، إنك إن تذرهم يضلوا عبادك، ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا".

نفس الفهم السقيم يستعمل في نهاية الحوار السياسي مع أي دينسي. يرفع في وجهك آيتين: "آنتم أعلم ام الله؟"! ثم: "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله امرا أن تكون لهم الخيرة من أمرهم ".

 وهؤلاء الخوارج المتنطعون هم من يضعون على السنة العوام والمراهقين آيات مقطوعة عن سياقاتها، لغرض الحسم بها في أوضاع ومواقف وجودية، فتربك سير الدول، وتدفع بالحكام إما إلى القمع أو الاستسلام للفتنة. من ذلك قوله تعالى: "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم". والحال انهم لا يفهمون المقصود باليهود، ولا معنى الرضى، فأحرى أن يفهموا معنى الملة. ولا السياق المتحكم...

ذلك أن فهم هذه الآيات، وما شاكلها، إنما يتم ضمن سياقات مختلفة لغوية، ونصية، وسيلقية، ومقامية تاريخية وواقعية. وفي إطار المقاصد العليا. فحفظ الوجود والعقل والكرامة الإنيانية مقدمة على ما سواها، لأنه لا يقوم إلا بها.

تاريخ الخوارج هو نفسه تاريخ الدينسية، تاريخ الفتنة والقتل تحت شعار: لا حكم إلا لله، أو إن الحكم إلا لله. 

"كلمة حق اريد بها باطل"، كما قال لهم من اكتوى بنارهم قديما (علي بن أبي طالب، رضي الله عنه).