رأي

محمد بنمبارك: زوابع حكام الجزائر اللاَّمُنتهية

ما تكاد تُطوى صفحة زوبعة للنظام الجزائري حتى تظهر أخرى بشكل غريب وملفت، يبعث على القلق، وأحيانا كثيرة على السخرية والاستهزاء من مضامينها سببا أو غاية أو هُما معا، لدرجة دفعت المسؤولين المغاربة ـــ وحسنا فعلوا ـــــ إلى عدم الرد عليها بل وحتى الالتفات إليها رغم أن القيامة قائمة في الجزائر صراخا وعويلا واحتجاجا وتنديدا وتهديدا ووعيدا...
 
مثل هذه الزوابع الفنجانية تدفع المتتبع للشأن المغربي الجزائري، إلى التساؤل عن دواعي ارتفاع حدة هذا التوتر والتصعيد المتزايد من الجانب الجزائري، فملف الصحراء المغربية الخلاف الجوهري الظاهر عرفناه وتعودنا عليه، ألم تكن 49 سنة من الصراع كافية لفهم المواقف والخلافات الدائرة بين الطرفين وحصرها بالمنتديات الأممية والدولية والإفريقية وغيرها، على أن تظل علاقات التعاون وحسن الجوار والاحترام المتبادل ساريا غير متأثر بخلاف الصحراء، وهذا ما كان المغرب دوما حريصا عليه.
 
لكن السنوات الأخيرة شهدت تغير نهج الصراع حين أراد النظام الجزائري أن يذهب بعيدا وينفرد بفرض واقع جديد على العلاقات بين البلدين الشقيقين، لم يعد محصورا في قضية الصحراء بل تجاوزه وخرج عن نطاقه، عندما راكَم جملة من الخلافات الجديدة في صيغة اتهامات اعتباطية على شكل طلقات رشاش "كلاشينكوف"، دفعته هكذا وبجرة قلم ودون أي وازع أو مراعاة لحرمة وحسن الجوار المغربي والمغاربي، إلى قطع العلاقات الدبلوماسية وإغلاق كل سبل الحوار أعقبتها قرارات أخرى معروفة شعارها القطع والسد والمنع والإغلاق والتظاهر بالقوة والجبروت الشفوي "القوة الضاربة" !، وتحريك بيادق البوليساريو على الحدود، التي نالت حظها من التأديب وتقليم الأظافر على يد القوات المسلحة الملكية اليقظة والحازمة...
 
فلم نَخْلَص بعدُ من زلة إقدام حكام الجزائر على فتح مكتب انفصال جديد خاص بالريف، حتى أقاموا الدنيا ولم يقعدوها ضد إعلان المغرب عن قراره بنزع ملكية عقار خالي تابع للسفارة الجزائرية في الرباط بغرض توسيع مقر وزارة الخارجية، في بيان شديد اللهجة لوزارة الشؤون الخارجية الجزائرية: " تدين عملية السلب وتند بشدة بعدم شرعيتها.. وتوعدت بالرد بكافة الوسائل القانونية لاسيما في إطار الأمم المتحدة.."، تحرك على إثرها الإعلام الجزائري وتعليقات الذباب الالكتروني بالجزائر تنديدا وسخطا وغضبا وامتعاضا من القرار المغربي: " المعتدي على حرمة السفارة الجزائرية وعلى حقوقها والمنتهك للقواعد والأصول الأعراف الدبلوماسية و....."وما إلى ذلك من الاتهامات والانتقادات الغاضبة الهائجة.
 
المتأمل في ردود فعل دَبَّانْ الجارة الشرقية، سيلاحظ أن هذا الجمع الغفير لم يفهم شيئا من موضوع نزع ملكية عقار جزائري بالتراب المغربي، وذهب بعيدا في الاتهامات معتقدا أن القرار المغربي نزل على حين غرة وصدر فجأة هكذا دون سابق إنذار أو إشعار للسلطات الجزائرية، لذلك تعذر عليهم فهم ما يجري وما دواعيه ومسبباته، وبدا لهم الأمر وكأنه تحول إلى نزاع جديد افتعله المغرب، وهناك من اعتبر الخطوة المغربية بمثابة ردة فعل على فتح متجر كارتون لصاحبه فاروق الريفي، دون أي محاولة لإدراك ومعرفة وفهم القواعد الدبلوماسية التي ارتكزت عليها الخطوة المغربية المؤسسة لمثل هذا القضايا حسب اتفاقية فيينا والقانون الدولي. والتساؤل المنطقي عمَّا إذا كانت دولتهم على علم مسبق بالموضوع، أو حتى طرق باب محرك "غوغل" للاطلاع ما بحوزته من معلومات ومعطيات على مثل هذه النازلة، اللهم الزعيق والنعيق الذي أظهر وبالملموس أن السلطات الجزائرية تعمدت إخفاء الحقيقة عن الشعب الجزائري والانطلاق من قوله تعالى " ويل للمصلين"، بغاية إشعال نار الفتنة من جديد وإثارة غضب وعداء في عملية شحن وتجييش للشعب الجزائري تجاه المغرب هكذا بشكل مجاني وبنوايا سيئة مبيته.
 
ما من شك، أن المغرب صاحب التاريخ الطويل في الدبلوماسية، لم يكن ليقدم على مثل هذا القرار بشكل اعتباطي وخارج قواعد السلوك الدبلوماسي المتعارف عليه، لذلك لم يكلف الأمر كثير عناء وزارة الشؤون الخارجية المغربية التي تجنبت الدخول في مهاترات الرد ورد الفعل، فلم تلتفت لبيان وزارة الخارجية الجزائرية ولم توليه أي اهتمام، لأنها تدرك أن غايته الضجة والزوبعة والافتراء وإثارة الرأي العام والحشد ليس إلا، وهذا يدخل في سياق حرب الغوغاء إذن لا رد على الطارق.
 
في المقابل خرجت العديد من المنابر الإعلامية المغربية التي حصلت على وثائق واطلعت على المعلومات والمعطيات الحقيقية حججا وأدلة لهذا الملف من مصادر دبلوماسية ذات مصداقية، لتنوير الرأي العام المغربي وكذا المتابعين السياسيين في الداخل والخارج والجزائريين أنفسهم، وإطلاع الجميع على حقيقة ما جرى ويجري في هذه النازلة لدحض الافتراء الجزائري الجديد. أقول الجديد لأنه ليس الأول فهناك سوابق وهي بالجملة وربما هناك الآتي.
 
أعيد سرد ما صدر في الصحف والمواقع الالكترونية الإعلامية وعن رجال القانون والباحثين، بعدما اتضحت معالم القضية، لكن الجدير بالإشارة أن القرار المغربي السيادي شمل سفارات أخرى إلى جانب الجزائر، ولم تبد دولهم أي احتجاج أو اعتراض على هذا القرار، بل إن مساطر نزع الملكية تأخذ مجراها بشكل طبيعي في إطار التفاهم والاحترام المتبادل. من جهة ثانية فقد سبق لوزارة الخارجية المغربية أن أرسلت 7 رسائل منذ يناير 2022 إلى نظيرتها الجزائرية بخصوص هذا الموقع في تبادل اعتيادي للرسائل. ومن الغريب حتى السذاجة كون السلطات الجزائرية أخفت هذه الحقائق.
 
باتت عقدة العداء والحقد تجاه المغرب تستحكم في عقلية حكام الجزائر يترتب عنها ارتكابهم مزيد من الأخطاء التي تضر بالعلاقات بين البلدين، الأمر الذي أدى بها إلى هذا المنحدر السحيق، استعصت معه لغة الحوار وطي صفحة العداء وفتح صفحة جديدة، طالما دعا إليها المغرب إليها. فبينما نجد أن صاحب الجلالة الملك محمد السادس يتحدث بلغة الانفتاح والود وحسن الجوار والدعوة إلى تغليب منطق الحكمة والحوار، في عدة مناسبات، نذكر منها خطاب العرش 30 يوليو 2022، حين قال جلالته: " وإن ما يقال عن العلاقات المغربية الجزائرية، غير معقول ويحز في النفس.... فنحن حريصون على الخروج من هذا الوضع، وتعزيز التقارب والتواصل والتفاهم بين الشعبين. وإننا نتطلع، للعمل مع الرئاسة الجزائرية، لأن يضع المغرب والجزائر يدا في يد، لإقامة علاقات طبيعية، بين شعبين شقيقين، تجمعهما روابط تاريخية وإنسانية، والمصير المشترك".
 
في حين طلع علينا الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في عدد من المناسبات بتصريحات عدائية تجاه المغرب برفض دعوة اليد الممدودة وادعاء سلسلة من الاتهامات المجانية للمغرب دون حجج أو أدلة، وكان أبرزها ما قاله لقناة "الجزيرة" ردا على سؤال حول علاقة بلاده مع المغرب من أنها "وصلت إلى نقطة اللاّ عودة".
 
كل فرحة مغربية وكل إنجاز تاريخي سياسي أو اقتصادي أو ثقافي أو رياضي أو تنموي يصب في مصلحة الوطن ولا علاقة له بالجارة الشرقية، يتحول إلى نكدِ وهَمِ وغمِ بل وجنازة بالجزائر تقظ مضاجع حكام الجزائر وتجعلهم يندبون حظهم العاثر، وكيف هذا الحظ اللعين لم يصادفهم وعاكسهم بشكل صبياني مُخْجِل، وبالتالي يلجؤون على التغطية المجانية السمجة الحاقدة على ذلك الحدث المغربي البارز أمام شعبهم، ولكم في التعليقات السخيفة والتشويش الذي عقب الإنجازات المبهرة للفريق الوطني بكأس العالم بقطر 2022، والإعلان عن فوز المغرب واسبانيا والبرتغال بتنظيم كأس العالم 2030، والذي كان بمثابة صدمة واستعداء واضح للمغرب أثار سخرية الشارع الجزائري.
 
تصعيد ورا تصعيد على شكل متوالية هندسية، يفيد كخلاصة أن من الصعوبة بمكان إيجاد صيغة تفاهم مع الجار الشرقي، فمن خلال تصريحات واتهامات وتهديدات واستفزازات حكامه سيخرج المراقب ــ حتى ولو كان منحازا ــ بانطباع أن الجزائر تتظاهر بأنها ضحية سياسة مغربية معادية، لذلك يتبنى حكامها منطق ولغة حرب عدائية مضادة غايتها الدفاع لكنه في الأصل يعد هجوما.
 
والواقع الماثل أمامنا ومنذ سنوات بالجزائر يشير إلى أن هناك حالة انسداد وأزمة كانت على أهبة الانفجار أثناء حراك ربيع الشارع الجزائري، الذي اكتفى بإسقاط بوتفليقة لكن تعذر عليه إتمام المهمة بالإطاحة بحكم العسكر بعد تدخل جائحة "كورونا" التي كانت بمثابة متنفس للعسكر ساعدهم من جديد على ترتيب أوراقهم وهيمنتهم المطلقة على البلاد، فجاؤوا بعبد المجيد تبون، ليظل قصر المرادية والديمقراطية إلى أجل غير مسمى تحت هيمنة العساكر، الذين أعادوا انتاج نفس سيناريوهات العلاقة العدائية مع المملكة المغربية.