يبدو أن حادث الزلزال الذي وقع ليلة الجمعة 8 شتنبر 2023، قد جعلنا نتدبر الآية الكريمة التي تؤكد أن كل نقمة في طيها نعمة: "وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم"، صدق الله العظيم.
ومن الواضح أن هذا الحادث الأليم الذي أعاد الى الساحة تضامن المغاربة قاطبة مع إخوانهم في الحوز، إنه ايضا يدعونا الى إعادة النظر في إعداد التراب الوطني الذي مر على إنجازه اكثر من عقدين من الزمن حين كان اليازعي، وزيرا للسكنى وإعداد التراب الوطني زمن حكومة اليوسفي.
إعداد التراب الوطني المقترح في هذا المقام، يسائل الدولة والحكومة والمجتمع ككل في إعادة النظر في دور الجبل في حياتنا اليومية.
رب ضرة نافعة تدفعني إلى أن أقترح ما يلي واقتراحي هذا يسير في نفس الرؤية التي سبق ان كتبتها ودرستها لطلبتي حين كنت استاذا جامعيا قبل تقاعدي سنة 2016. أي في علاقة مباشرة بقضية الماء في تاريخ المغرب والدور الذي يمكن أن تقوم به هذه المادة الحيوية في حياتنا ومستقبلنا.
من حسنات الجغرافيا بالمغرب أن جبالنا جاءت في وسط البلد ولا نتقاسمها مع أي من الجيران. ومن حسنات هذه الجبال، أنها مصدر كل مواردنا المائية: فهي منابع أم الربيع وسبو وملوية وتانسيفت وابي رقراق وورغة ووادي سوس ودرعة وزيز وغريس ووادي اللوكوس ووادي لاو الخ...
والتعمير الذي كان في هذه المناطق أصبح يطرح مشكل التعامل مع المجالات المزروعة آلتي تضاءلت مساحاتها وجعلت الاستغلالات أقل مساحة عما كانت عليه زمن الأجداد.
هذه المجالات بالإضافة الي الكثافة السكانية، فقدت أهم مكون بيئي يحافظ على توازنها، إذ اضحت جرداء قاحلة. وأثر ذلك على الموارد المائية التي أصبحت منابعها جافة ومنعدمة في بعض الاحيان.
الزلزال الذي حدث يدفعنا الى التفكير في تقليص التجمعات السكنية من ألف وحدة ادأو دوار الى النصف، هذا النمط من التجمعات لن يلغي الملكيات الفردية في الاستغلالات الزراعية بهذه الربوع، بل سيدفع بالدولة عبر الجماعات الترابية الى تكثيف الغراسة في المناطق الجرداء التي كانت من أكثر ما تضرر جراء الزلزال وأدت الى الخسائر البشرية والمجالية التي شاهدناها.
إعادة الغراسة التي ستحافظ على الهوية الزراعية في هذه المناطق، لن تخرج على نماذج الغراسة الموجودة حاليا مثل اشجار الجوز واللوز والمشمش والخوخ والبرقوق والخروب والتين والزيتون، وقد يبدع الفلاح الأمازيغي بهذه المناطق بإضافة أنواع أخرى ملائمة ومشابهة لما يوجد في الاطلس الكبير الأوسط والغربي.
هذا علاوة على إعادة الاعتبار لنظام الرعي الموروث عن الموحدين، المعروف باسم راعي الدولة او الراعي المشترك، ما يسمح بالإكثار من تربية الماعز والأبقار الحلوب بهذه الربوع.
الجديد الذي أقترحه هو أن يعمل الفاعلون من دولة وحكومة وجماعات ترابية، على إضافة المحميات الطبيعية، النموذج الذي يمكن أن يطور السياحة الجبلية التي تسود في هذه المناطق.
طبعا هذه الاقتراحات لن تغير من شكل العمارة السائد في هذه المنطقة، والتي أعتقد انها يمكن أن تعمم لتشمل الأطلس الكبير الشرقي والأطلس المتوسط وجبال الريف وكذا الأطلس الصغير.
هذا المشروع الضخم يمكن أن يدوم عقدين من الزمن، ويمكن أن يكلفنا نصف الناتج الداخلي الخام الذي يعادل تقريبا سبعين مليارا من الاورو او الدولار، على أن هذه التغييرات المجالية ستعم البنية التحتية من طرق وقد تشمل حتى السكك الحديدية والمطارات في المناطق المحاذية للجبال والتجهيزات الصحية والتعليمية والادارية، ما يجعل المواطن هو المستهدف الاول والأخير. ولان هذه المناطق هي مصدر المياه فانه يتوجب التفكير جديا في نماذج لربط الأودية ببعضها البعض عبر طرق سيارة مائية على شكل دائري، لتجنب مشاكل الفيضانات التي تكثر في هذه المناطق.
على أن هذا المشروع يتطلب أن تهتم الجامعة على انتاج وتكوين مهندسين وتقنيين وأطر لا هم لهم غير تطوير هذه المناطق.