قضايا

كيف نطالب بحرية العقيدة وما زلنا في روض الحضانة الدينية؟

الدكتور جواد مبروكي

 

لاحظت خلال السنوات الأخيرة تيارات مغربية عديدة، سواء دينية أو سياسية أو حقوقية أو إيديولوجية، تطالب بحرية العقيدة. وأرى أن هذا أمر جميل، وفي الحين نفسه أتساءل لماذا لا يطالبون أولا بحقوق المؤمن داخل عقيدته وتحريره من رجال دينه؟ ولماذا لا يطالبون بالحرية والديمقراطية الدينية والشفافية داخل كل دين أو عقيدة أو مذهب؟ ولماذا لا يطالبون بسحب القوانين الدينية من المحاكم؟ هل هناك ديمقراطية في تعيين رجال الدين؟ وهل المؤمن له الحرية في تطبيق الأحكام الدينية والفتاوى التي يقررها رجال الدين الذين يسيرون شؤون دينه؟ أليس وجود "رجل الدين" كرقيب على العقيدة وضمائر العباد هو انتهاك لحقوق الإنسان ولحرية العقيدة وممارسة لدكتاتورية محضة؟

حسب تحليلي الآتي، أجد تناقضاً كبيراً بين المطالبة بحرية العقيدة في المغرب وبين غياب حرية المؤمن داخل محيطه العقائدي. وهنا أقصد قاعدة عامة تشمل كل المكونات الدينية والعقدية في المغرب بدون استثناء، وسأذكر بعضها على سبيل المثال وليس الحصر، لنتساءل عن مفهوم الحرية والديمقراطية.

1. هل الدين يمنح للمؤمنين به الحرية في حياتهم الشخصية؟

مثلا فتاة مغربية مسلمة تريد الزواج من أجنبي لا ديني لأنها ترى أن هذا من حقوقها في اختياراتها، وترى أن لها الحرية أن تعيش عقيدتها وحياتها الزوجية حسب رؤيتها وقناعتها الخاصة. ولكن تحقيق طلبها مشروط مسبقاً بـأن يعتنق خطيبها الأجنبي الإسلام.

فأين هي حريتها العقائدية داخل منظومة دينها؟ وهل من المنطق الحقوقي أن يشترط على إنسان أن يعتنق عقيدة معينة من أجل غاية مثل الزواج؟ أليس هذا الاشتراط فيه إكراه ودعوة للنفاق؟ وإذا انتقدت هذه الفتاة هذا الشرط وطالبت بإعادة النظر في هذا الحكم الفقهي فسوف تُتهم من حراس العقيدة بالإساءة لدينها.

والأمر نفسه نراه بأشكال أخرى داخل منظومات أديان أخرى سابقة، مثل المسيحية واليهودية. مثلا في الدين البهائي إذا رفض الآباء زواج الابن مع فتاة يحبها ولو كانت بهائية، فزواجه يرفض من محفله إذا لم تتوفر كل شروط الزواج.

هل من خلال مثل هذه الأمثلة نجد حرية العقيدة داخل منظومة الدين نفسه؟ وهنا لا أهاجم أي دين معين وإنما أطرح تساؤلات للتفكير العميق فيما يتعلق بأوضاع المؤمن وعلاقتها مع أحكام وتوجهات رجال الدين.

2. لماذا الأحكام العقائدية تتحول إلى قوانين تعتمد عليها المحاكم؟

إذا كان الدين يكفل حرية العقيدة، بمعنى لا يُجبر أحدا على اعتناقه، فكيف تتحول أحكام دين معين إلى قوانين صارمة تطبق على سائر المغاربة بمختلف عقائدهم وطوائفهم وأفكارهم وثقافاتهم؟ فإذا أراد مغربي مسلم عدم ممارسة الصيام بدون قناعة حقيقية وشرب ماء في الشارع سيلقى عليه القبض من طرف السلطات ويحرم من حقوقه الإنسانية الطبيعية. فعن أي حرية عقائدية نتحدث؟

مثال آخر، إذا قامت شابة مغربية بعلاقة جنسية مع شاب خارج إطار الزواج مقتنعة أن هذا الأمر لا يضرها ولا تراه حراماً، فإن السجن مع شريكها هو مصيرهما حسب القوانين التي لها مرجعيات دينية. فأين هي الحرية الشخصية داخل منظوماتنا القانونية والدينية؟

وإذا كان هذا الحكم لا تعتبر جذوره دينية، فلماذا لا يلقى القبض على آلاف السياح غير المتزوجين في غرف فنادق المغرب؟ وفعلاً أشد أنواع الـسكيزوفرينيا في الحقل الديمقراطي والديني نراها في مثال إدارة فنادق المغرب.

وإذا تقدّم شاب مسلم وشابة مسلمة بجواز سفر أجنبي، فرغم أنهما من أصول مغربية وبأسماء عربية، فإنهما لن يطلب منهما الفندق صورة من عقد الزواج رغم أنهما ينامان في غرفة واحدة، بينما يتم العكس مع المغاربة الذين لا يحملون وثائق أجنبية!

وإذا كانت مثلا هذه الشابة بهائية، فسوف تتلقى إنذارا من محفلها. وإذا استمرت في هذه العلاقة بدون زواج، فمن الممكن أن تحرم مثلا من حقوقها الإدارية البهائية.

مثال آخر بالنسبة للمثلية الجنسية، ونتحدث هنا عن مثلية غير اختيارية، حيث يميل فرد بشكل لا إرادي إلى نفس جنسه بينما يشعر بنفور تجاه الجنس المعاكس لأسباب سيكولوجية وبيولوجية خارجة عن إرادته. وإذا حصلت علاقة بين شخصين مثليين مغربيين، فإن القانون ذا المرجعية الدينية سيحاكمهما. أما إذا كانا يحملان جنسية أجنبية، فلهما وضع آخر. فعن أي حرية نتحدث؟

مثال آخر في المسيحية، إذا أراد راهب من الكنيسة الكاثوليكية الزواج، فسوف يفقد منصبه وحقوقه الكنسية.

فكيف لنا أن نطالب بحرية المعتقد والحرية غائبة داخل المنظومة الدينية والقانونية؟

3. ديكتاتورية رجال الدين تحت شعار "الديمقراطية الإلهية مختلفة عن الدكتاتورية الإنسانية"؟!

رجال الدين (أي دين كان) كأفراد غير معصومين من الخطأ وغير محصنين من حب النفس ومن الاضطرابات النفسية وحب السلطة والسيطرة على البشر والاستفادة من مناصبهم، وحتى إذا لم تكن هذه الاستفادة مادية فتبقى معنوية لتغذية ذواتهم وأنانيتهم.

وأتساءل إذا كان الإيمان مسألة شخصية والإنسان حر في عقيدته، فما هي الحاجة إلى رجال ليسيروا عقيدة الإنسان ويفرضون عليه قيودهم وتصوراتهم الخاصة؟ هل نحن في روض الحضانة العقائدية؟

لماذا يتجرأ رجل الدين، ولا أدري بأي طريقة ديمقراطية حصل على هذا المنصب، في إلقاء خطبه ومواعظه وأحكامه ثارةً بالترغيب وتارة أخرى بالترهيب وكأنه الرّب، علماً أن بين الحاضرين من يفوقه بكثير في الدراسات العليا والشواهد الجامعية مثلا؟ أما إذا قام أحد من وسط الجمع وعبر عن رأيه أو معارضة ذلك الخطاب، فسوف يجد نفسه مهدداً بالمثول أمام القضاء بسبب مساسه بأمن النظام الروحي. هل هذه هي حرية العقيدة وهل هذه هي الديمقراطية الدينية؟

لن تتحقق حرية العقيدة حتى يتحرر المغربي من قبضة رجال الدين وتتحقق الحرية والعدالة والإنصاف داخل منظومته الدينية!

*خبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي والعربي