فن وإعلام

الجسد الفني.. وفيروس الانا

إدريس الروخ

رحلة البحث عن بقعة وسط خريطة الفن .. امر مشروع ومرغوب فيه .. ويدعو للتشجيع والمساعدة .. فكل اجتهاد يخلق سعادة لا مثيل لها بالرغم من الصعوبات والعوائق التي تعترض الرغبة في تحقيق ذلك .. وبالرغم من كل المشاكل التي تثقل كفة أحلامك وتنشر الفشل في أحشائك لكي تتوقف عن المضي قدما لبلوغ غايتك ..
ليس من السهل وسط ما يحدث في مجتمع الفنانين والفن ببلد تنقصه الكثير من القوانين المنظمة للعمل الفني والكثير من الفضاءات الثقافية على مستوى المسرح  والسينما والمكتبات والمعارض ومجمعات البحث الإبداعي ومراكز التكوين والكثير من فرص التكامل الاجتماعي .. لإحداث تركيبة بنيوية منسجمة ومتماسكة وقادرة على جعل الجسد الفني سليمًا بدون أمراض تخرب خلاياه الداخلية قبل الخارجية .
ولكن بالرغم من هذه الندرة الموجودة في وحدة الفن تقنيا ومؤسساتيا وقانونيا وبنية تحتية (...) فهذا لا يمنع في تحقيق الحلم في الانتشار وتحقيق لذة الذات في كسب المزيد من البقع القريبة فنيا من توجهاتك ورغباتك ونجاحاتك ..
الطموح في ذلك رهين بمدى صفاء قلبك وقدرة مخيلتك في رسم معالم الفوز بقلوب الآخرين حبا واحترامًا وتقديرا  والتأثير في عقولهم اعجابا وانبهارًا ..
الطموح هو الجسر الذي يدفعك للتنقل بسرعة الريح في مجال تخصصك .. تغازل الزمن لكي يكون معك وليس ضدك ويكون في خدمة موهبتك .. يصقلها ويلمع سمعتها ويسمو بها في سماء الأضواء اللامعة .. لغزو الظلام والظلاميين ولتنوير العقول وتدفئتها ..
فالفن بخلاف ما بداخلك من طاقات ومواهب تنفجر كعيون المياه في اَي لحظة لتروي عطشك وعطش كل ظمآن لفعل الجمال والحرية والانعتاق من شياطين الباطل والبهتان ... بخلاف ذلك فهو حالات نفسية معقدة ومركبة .. تساعدك على الفهم وتقريب المسافات بينك وبين الاخر .. وتريحك من الداخل .. وتنعش خواطرك .. وتربي فيك الانسان الحقيقي المحب ، المشع .. المؤمن بروح الفريق .. ينمو مع الاخر .. ويتطور لان يده ممدودة للآخر .. يبدع في الجماعة وليس خارجها .. يتألم ان ساءت الأوضاع لاحد من فريقه .. يدافع ويشجع ..
هكذا هو الفن في عالمه الحقيقي وموطنه الأصلي .. يجمع ولا يفرق .. يختلف ولكن لايشي او ينمم لا سرا ولا علنًا ..يوثر على نفسه ولو كانت به خصاصة .. ولا يسطو على نجاح الاخر او ينوي به سوءا ..
وعندما يتحول الطموح الى طمع والرغبة الى هجوم والانا المشروعة الى الأنا الغادرة القاتلة ، الحقودة .. الأنا التي تسعى للسوء وتدمر كل من جاء في طريقها او كل من اتسعت دائرته .. ترهب وترعب وتفرز فيروساتها وتسلطهم على الجسد الفني فتنتشر العدوى .. وتختتئ وسط الخلايا في مرحلة احتضان الى ان تترعرع وتنمو وتخرب بعد ذلك الجسد كله حيث تعطل حواسه وتذبل حركته وترديه قتيلا . ان نوعًا مماثلًا من هذا ( الفيروس ) يساهم لا محالة في تكوين نسخ اخرى من طينته تساعد بشكل سلبي في انتشار المرض واندلاع العدوى .. وبالتالي القضاء على كل الجسد الفني .
ان الأنا التي لا تعرف قيمة الاخر .. ولا تعرف حدودها ولا ترجى الخير للآخر .. هي ( أنا ) قاتلة .. يجب عزلها اولا ثم ايجاد مصل لمحاربتها... إما للعلاج منها ، او لتدمير خططها .. فلا ينبغي ابدا ان نترك الفيروس يشكل ذاته على حساب ذات الاخر.