تحليل

المجتمع الديمقراطي ونخب المركز

المصطفى مريزق

لم أكن أتصور في يوم من الأيام أنني سأعثر على العديد من الوثائق والرسائل السياسية والأبحاث الجامعية ومحاضر الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية التي تعري منظورهم للديمقراطية من خلال توسيع حقوق المواطنة في المركز وأطرافه القريبة منه.

وهذا ما يمثل الآن جزءا أساسيا من نظرية ديمقراطية المركز وانتهاكات الهامش، وإضعاف سلطته الشعبية، أحد مكوناته الجوهرية، وهذا بحسب رأينا المتواضع ما جعل كل الانتصارات في المجال السياسي المغربي جوفاء ومن دون سند شعبي أو جماهيري.

وقد ساعد مجال النشاط الديمقراطي المركزي على الترويج لهيمنة القرار الاقتصادي والسياسي، وعزلة السلطة الشعبية في الهامش في أبعد مدى، وتحويل الموروث المتنور في بلدان مغرب الهامش إلى مجرد أعيان وأوراق انتخابية بالية، وإلى شرائح اجتماعية معدمة وخنوعة، يحكمها طربوش المركزي وعصا السلطة الحكومية.

وربما طربوش المركز لم يكن له الوقت الكافي للاطلاع على أدبيات الاتحادات التطوعية والمشاركة المدنية التي قال عنها الكثير الكسيس دو توكفيل وغيره، الذي اعتبر حرية الاتحاد جزء أساسيا من الديمقراطية.

فالحاجة اليوم إلى استيعاب التناقض بين ديمقراطية المركز وواقع الهامش باتت ضرورة تاريخية في النقد المعاصر للثقافة الشعبية وديمقراطيتها.

اليوم المركز يستحوذ على الإذاعة والتلفزيون، وعلى قاعات السينما والمسرح، ويتمتع بالأندية الرياضية، والأندية الثقافية الأجنبية، يرقص في المهرجانات الدولية، ويغني مع المشاهير، ويأخذ الصور مع كبار القوم، ويستمتع بالقصص والروايات المسكونة بهواجس القيامة عند الحداثيين.

فكرت كثيرا في الموضوع، وأنا واثف من أن النبش في مثل هذه المواضيع سيجر عليّ النحل، لكن كل شيء يهون من أجل وطن الهامش، ومن أجل المعذبين في الأرض، المنسيين منذ الاستقلال، الذين ظلوا لعقود من الزمن من دون كهرباء ومن دون ماء ومن دون مستشفيات ومن دون مدارس ومن دون جامعات ومن دون سند ديمقراطي من المركز.

لن يكون لوجودنا اليوم أي معنى، ولن نصبر أكثر مما صبرناه، ونحن نرى أصحاب المشاريع الحقوقية والسياسية والثقافية، بعدما استطاعوا لتاريخ طويل أن يوظفوا سيرتهم الحسنة للوصول إلى مجالس الديمقراطية المركزية، أن ينسلخوا عن جذورهم من دون نضال في القرى والمداشر والمزارع، ومن دون مساندة للاتحادات المحلية والقبلية العمالية والزراعية.

فالريف وجبالة وجرادة وبويزكارن والأطلس المتوسط وزاكورة واليوسوفية وغيرهما، أطلقوا شرارة النهضة في وجه المسرحيات الساخرة للديمقراطية المركزية ولنخبها ذات الانعاش التنفيذي، وذات نفوذ الميديا والمؤسسات.

وبمعنى من المعاني، إن التواريخ الشخصية لكل أولئك الذين كرسوا ديمقراطية المركز تشهد عليها مساراتهم وتصريحاتهم ومحاضر اجتماعاتهم الوطنية والدولية. كما يشهد الواقع على تحولهم إلى فرامل لديناميات الهامش، وللعديد من الإطارات الشعبية التي صنعتهم.

وإذا كان من الضروري ومفيدا لجبهة جديدة أن تنشأ من الهامش، فإن الأمر في حاجة إلى الحكمة المواطنة القادرة على خلق تنظيمات ذاتية، على قاعدة التضامن القاعدي بين سكان مغرب الهامش وبين المعلمين والأساتذة والطلبة والفلاحين والمهنيين والفنانين والمهاجرين والمستخدمين والشباب والنساء وأطر الهامش.

هذا التضامن لن يتحقق إلا بالتشبث بمطالب مغرب الهامش، ونقد حكايات ديمقراطية المركز والمسؤولين عنها من كل الأطياف.