رأي

البصير الخلدوني: ثالوث القرصنة، العنصرية والطبقية

يظهر للوهلة الأولى أن زمن الدول القراصنة ولى وأن أيام العنصرية ماتت وأن منطق الطبقية قد ذاب واختفى.. كل هذه المظاهر مازالت قائمة في زمن "الأخوة والمساواة والعدالة".
اليوم، وجدت البشرية نفسها أمام حقيقة موت العقل، موت القلب وكأننا أصبحنا نسير نحو النهاية.
تناقلت وسائل الإعلام الغربية والعربية في بحر الأسبوع المنصرم، أخبارا عن عمليات قرصنة وسطو كان الحديث يدور حول حرب حقيقية لكمامات وأجهزة التنفس.
هكذا يبدو أن أزمة كورونا لم تحدث، فقط، تغييرا جذريا في الأوضاع الصحية والاقتصادية والسياسية للعالم، بل إنها أفسدت العلاقات بين دول شكلت تكتلا للهيمنة والإمبريالية...
إن قرصنة الكمامات الطبية  وأخرى للاستعمال الوقائي وأجهزة التنفس. كان مصدر الحمولات من الصين الشعبية ووجهتها دول ما كان يسمى "العالم الأول" قبيل جائحة كوفيد19 المستجد ودول أخرى. لقد قرصنت الولايات المتحدة لكمامات متجهة إلى كل من فرنسا وكندا وألمانيا وفي نفس السياق استولت كل من فرنسا والولايات المتحدة على طلب حجوزات لكمامات كانت أوكرانيا قد تقدمت به للشركات المصنعة الصينية. قبل ذلك، اشترت سلطات التشيك حمولة آلاف الكمامات كانت في طريقها إلى إيطاليا قبل أن تعرف أنها اشترتها من مهربين وأن تلك الحمولة كانت هبة صينية للبلد الأروبي المنكوب.
هكذا بدت دول الرفاه والغنى ذليلة أمام الحاجة لحماية نفسها منها. لعل من بين التفسيرات الإهمال للقطاعات الاجتماعية ومنها الصحية والاهتمام بمجالات أخرى كصناعة الأسلحة.
الضلع الثاني للثالوث المحرم، كانت العنصرية التي لم ينطق بها سياسيون وإنما طبيبان تجاهلا  قسمهما: "...ولن أعطي عقارا مميتا لأي إنسان...وأيا كانت البيوت التي قد أزورها، فإنني سأدخل لنفع المريض..." من هذه المقتطفات لقسم أبقراط ، ما كان على الطبيبين الفرنسيين أن يصرحا بكلام كله عنصرية. إنما هي العنصرية، بالذات، المتجذرة في العقل الباطني الاستعماري. أن يقترحا إجراء اختبارات BCG على الأفارقة، هو عودة لقرون مظلمة من التمييز. لا شك أن هذا الموضوع تناولته وسائل إعلام والتواصل الاجتماعي بحثا ونقدا، لكن ما يهمني هنا، أن أتقدم بالتحية لمجموعة المحامين الذين أعلنوا رفع دعوة قضائية في مواجهة عنصرية الطبيبان.
الجائحة ما زالت في بدايتها في العالم، والتفاوت الطبقي اتسع في الدول الغربية والولايات المتحدة النيوليبرالية بشكل ينذر بثورات اجتماعية ربما قد تكون راديكالية مع بزوغ عالم جديد. بدأت تظهر مؤشرات لتفاوت يؤسس لجرح نرجسي عميق مع تصدع في الصورة التي تم بناؤها منذ الحرب العالمية الثانية، التي من خلالها بنت الولايات المتحدة مجدها وجبروتها بما قامت به من استثمارات في إعادة بناء الدول المدمرة. ما يحدث هذه الأيام، قد يحول دراكولا إلى دجاجة. ويبزغ فجر عالم جديد أكثر عدالة وأخوة ومساواة حقيقة لا بالشعارات...
وتستمر الحياة بكل ثقة بالنفس والأمل، سيكون للمظلومين فيها حظ كبير في العيش الكريم.  
الرماني في 05/04/2020