رأي

مونية العلالي: شرعية لا شرعية

علمتني ان للذاكرة عطرا وللأماكن حديث أتجاذبه في غيابك حتى أهزم الحنين.
علمتني أن الموت و الحب لعبتان للحياة و القدر هو تلك الجرعة التي تهون على أولي الألباب.
علمتني أن العمر قطار له محطات و أن المحطات كلما تباعدت مسافاتها زاد رصيدنا الحكائي فلا يجد الملل إلى قلوبنا سبيل.
علمتني أن العناق والقبل نزوة عابرة وأن الحديث عن الملل و النحل ينحث الخلود.
علمتني أن الأنفاس الحرة تعيش طويلا وأن اختيار العودة إلى قفص ما هو أجمل أنتصار.
علمتني أن  اللقاء فكر والإرتقاء الروحي لا يحتاج جسرا للعبور.
علمتني أن أنصت بكل الحواس وأن الإبحار لا يحتاج مجاديف من فولاد.
علمتني أن الإيمان هو فقط في قدراتي وجيبي وما ملكت افكاري من سبل للنجاة.
علمتني كل هذا لأختصر العمر وأسبق الأحداث وأنا ألبس عمرك الذي يزيد عن عمري أربعون سنة.
اذكر ذلك اليوم الذي كنت فيه منقذي من الفقر والكد حتى الساعات المتأخرة من الليل. كانت قنينة الخمر الموضوعة أمامك على المائدة  تكاد لا تنزل عن النصف. عرفت انك لم تأتي لهذا المطعم كل ليلة  لجودة الأكل بل لترقبني عن بعد وتتأمل...
كنت احيانا كثيرة اسخر منك مع العاملات معي حين ترك مقبلا من باب المطعم، وحين تغيب تتهامس ان العجوز متعب هذه الليل ولا يقوى على حمل عكازه.
يوم أغمي علي من شدة التعب كنت من التقطني وطار بي الى مركز الإسعاف. استيقظت لأجدك وأنت تداعب يدي وتذرف دمعا، لم استوعب في الوهلة الأولى ما خطبك، لكني لم أتوقع ان يكون تصريحك بسرعة البرق وأنك تحبّني وتريدني معك ما تبقى من الحياة.
شيطان نفسي يقول لي انه عجوز وقد تجنين على نفسك وأنتِ في مقتبل العمر وشيطان آخر يذكرني بجيبي الفارغ والبيت المفقود والأكثر من هذا أن لا قانون لتسوية وضعيتي يلوح في الأفق، واني دون تغطية صحية وان اسرتي التي اقترضت ما ترسلني به إلى هذه الديار مازالت تنتظر بعضًا أو كل ذلك المال.
اعتبرتها فرصة من ذهب واصطنعنا إسلاما فرضه عليه المسجد القريب من بيتك، شهادة أن لاالاه إلا الله أمام الإمام ومواكبة بعض الدروس، كنت لا تفهم ما يدور لكن كل شئ يهون في ظلال العيوني التي اكتويت بها ذات سكر وليلة خمر كما يتردد على لسانك دائما.
ما علينا، كنت لك المرافقة والممرضة  وكنت لي الحساب البنكي وكثير من الحنان الذي يكاد يكون أبويا. اصبح لي بيت وسيارة وجيب لا يفرغ من المال. بعد اشهر ارجعت كل ديوني وأصبحت الحوالة الشهرية تصل امي بانتظام. أما وقد حصلت بعدها أيضا على الجنسية الإيطالية فلا مفر من الاعتراف ان الحياة معك كانت بطعم المرارة والمال، بمذاق الحسرة واليسر، لا حب يملأها ولا الندم غالب فيها. طريق وسط في انتظار الفرج. راودتني فكرة تركك والإبتعاد عنك لأَنِّي أتوق الى حياة مع منه في عمري، لكن كان معروفك ثقيل والحياد عنك لا تسمح به تربية أثمرت بعضًا من عرفان الجميل. وشبح أيام العمل الأسود والضياع داخل اللاشرعية كان يخيفني...
ها أنا الان من يلعب بيدك المستلقية دون عناء، وأنت تلفظ أنفاسك الاخيرة. أعيد هذه السنوات العشر التي قضيتها معك بسلسلة أحداثها المملوءة بالهدايا وصدق المشاعر وكثير من وخزات الضمير ووخزات الوشوشات من حولي حول زواج بالعجوز الإيطالي المسلم كذبًا من اجل الزواج. كانت النزلة هذه المرة قوية أصابت نبضات القلب وعطلت تواثرها المنتظم، لن تتركني وحيدة بل سأسترجع بعضا من أحلامي علها تذكرني لتلبسني وألبسها من جديد. اليوم البيت بيتي ومعاشك راتبي وضميري يجب ان ينام ولا ينبش في تلك النقطة السوداء عن الحلال والحرام في لحظات لم أكن اعرف فيها هل أنا من الأموات أو الأحياء.