قضايا

هزالة المشهد الحزبي

عبد السلام لعروسي*

أيُّ إفلاس نحن نسعى إلى الحديث عنه؟ وما نوع نواقيس الإشعار به؟ وأيّ مسامع توازي موجات دقّات هذه النواقيس؟

حديثنا اليوم يهم التطورات السلبية لدور الأحزاب، سواء أحزاب الأغلبية كانت أم المعارضة منها والتي تقود البلاد إلى الهاوية، إذ هو إفلاس قد يشمل كل القطاعات الحيوية دون استثناء.

حديث يهمّ الحالة المزرية التي آلت إليها الأوضاع من سوء تدبيرٍ للشأن السياسي العام ومن أعطاب التسيير الإداري، وممّا حصل من تخريب شبه كامل للمنظومة التعليمية، ومن مدى كارثية الوضع في القطاع الصحي، ناهيك عن غياب أدنى بوادر الإصلاح والنهوض بالوضعين الاجتماعي والاقتصادي داخل هذا البلد الفتي الغني بثرواته منها المعدنية والسمكية والزراعية، هذا البلد الغني بشباب كُفء ومؤهّل لولا تهميشه وإقصائه.

البلاد باتت مسرحا لإهمالٍ يطال مختلف شرائح المجتمع من طرف الأحزاب التي تمثلها؛ إهمال لم يعد يُطاق على الإطلاق، ونواقيس الإشعار هنا تُنذر بتبعيات سلبية لسياسة أولئك من يعتبرون المناصب غنائم ويخلطون بين السياسة والتجارة، ومنه ممارستهم لسياسة الإقصاء والتهميش بصيغة تكاد توصف بالفعل الممنهج.

هي تبعيات تساهم بوتيرة متسارعة وبشكل مباشر في انتشار البطالة، خصوصا في أوساط شريحة الشباب. كما تساهم هذه التبعيات في استفحال ظاهرة الفقر والعنف والجريمة في الشارع ومنه ركوب الفساد، إذ تتجرّعه سمومه الطبقة الوسطى وهي ما زالت تتقلب وجعا على فراش موتها. تشخيص قد يصفه البعض بالخطاب المُستهلك في المشهد المطلبي بالمغرب، وتلك هي الطامة الكبرى؛ إذ الخطاب يكاد يكون مستهلكا في سياق تشخيص الأوضاع، لكن المرض قد طال أمده، ولا بوادر هناك لإشراقة حلول من أجل استئصاله.

كيف لهذا الاستئصال أن يحصل والمكون السياسي والأحزاب خارجة التغطية؟ كيف لذلك أن يتحقق ورهانات الثقة والحوار بين هذه الأحزاب وشرائح المجتمع التي تمثلها قد تبددت؟ رهانات تبددت عبر مرور السنين نتيجةً لِمَقت أولئك الذين يلهثون باستمرار وراء اقتناص الفُرَص وترك الأمور على عواهنها.

حين نتفقد منتديات الحوار ومواقع شبكات التواصل الاجتماعي، فإننا نجد المطالبين بالتغيير يشملهم حسّ المعرفة والوعي السياسي في مواكبة الأحداث، معتمدين في ذلك على سلاح الفكر وهم يصورون به آفاق ورهانات الحلم بمستقبل أفضل وبرغبة مستميتة تجسّد الممانعة الحقيقية كسبيل لإيجاد مخرجا للوضع الكارثي في البلاد.

إن الدعوة إلى الإصلاح بمعية براهين وحجج هي شحنة القريحة الفكرية لأولئك المثقفين المبدعين المسالمين والغيورين عن الوطن وعن مصلحته تتطلّب ثورة فكرية يتم السعي من خلالها إلى كشف الأضواء على ما يتّسم به الوضع الراهن من أعطاب وضبابية في التدبير والتسيير، ثم إلى استيعاب ما يروج داخل موازين القوى من صراعات، مع الحفاظ على نظرة التفاؤل بالرغم من الضربات الموجعة التي دفعت من قبل مفكرين شرفاء وأكفاء إلى الهامش.

ولأجل تحقيق ذلك، وجبت أهمية الحفاظ على التعبئة الفكرية وعلى إيجاد قاعدة شعبية تحتضن هذا الفكر من أجل الخوض في إحداث بنية متراصة لثورة فكرية بأدوات وميكانزمات تساير الحدث، وتشمل كل شرائح المجتمع لنشر التوعية والقيام بالتوجيه في الاتجاه الصحيح.

في هذا السياق ومن منطلق هذا المنظور الفكري الحداثي، أصبحت مطالب الإصلاح تتعالى وتسعى إلى خلق أحزاب جديدة ذات إيديولوجية قوية قادرة على الاستجابة إلى انتظارات المواطنين، والتزامها ببرهان التناوب السياسي على السلطة، على أساس التقاطب السياسي الإيديولوجي الواضح تباعا لمعالم ديمقراطية محضة أساسها اختيارات وقرارات مختلف شرائح المجتمع، على خلاف أحزاب اليوم التي اختارت طريق العبث بالمشهد السياسي في البلاد ونزلت به إلى الحضيض، أحزاب فقدت ثقة الجماهير، هذه الجماهير التي لم تعد تؤمن بأن الأحزاب مغلوبة على أمرها؛ بل هي أحزاب واعية تماما باللعبة وبدورها في اللعبة وبالأدوات التي تستعملها أيضا في هذه اللعبة بمكمن مصالحها، وبمكمن مواقعها، مواقع اللامبالاة والوعود الزائفة.

*أكاديمي خبير مقيم بألمانيا