تحليل

الجزائر .. تصادم الشرعيات أم هو التغير المنتظر !؟

محمد أشلواح*

أحداث متسارعة هي التي تقع في الجارة الشرقية الجزائر، فالمتتبع يكاد يخرج عن التحليل الرصين بسبب ميوعة الوضع وتبدل المعطيات وتكاثر المستجدات.. إن القراءة الأولية للمشهد الجزائري تظهر الأمر وكان هنالك إنجازات متتالية وتحولات إيجابية نحو التغيير،إنه واقعيا "تقييم أولي" يجب أخذه بالحيطة والحذر وعدم التفاعل العاطفي الايجابي الكلي معه. إذن بقليل من التفاؤل نتتبع ما يحدث في الجزائر ، فالكل نادى بالتغيير لأن الوضع الذي أنتجته"العصابة" أنهك البلاد والعباد، شيوخ شبان نساء وأطفال في المظاهرات صدحت وتصدح حناجرهم في مختلف بقاع الاراضي الجزائرية، الثروة نهبت، الفساد استشرى، الفقر ضرب أغلب الفئات الاجتماعية بشكل خطير.

يبدو الامر وكأن هناك أمل، أمل في التغيير السياسي يليه إرتقاء على المستوى الاقتصادي والاجتماعي... لكن حينما نتعمق في الموضوع يصيبنا الشك والريبة؟؟ ! !

العسكر وجد نفسه في ورطة ففي داخله نجد مستفدين من الوضع الذي صنعه بوتفليقه أو بالاحرى أُوحِيَ له أن يصنعه، ومتواطئين مع أركان"السيستيم"،بل هم في الحقيقة الفاعلين الرئيسين في اللعبة، لذلك حذروا في البداية، ولو في شكل اشارات من وراء الستار أو عبر بعض السياسين، من مغبة الخروج إلى الشارع..

الجيش في شخص قايد صالح، وبعد ضغط الشارع، دخل في عملية مناورة كبرى لإيهام الشعب بأنه قيد الاستجابة لمطالبه وأنه ينسجم مع شعاراته ومع ما يفرضه الدستور ! ! تم تحييد بوتفليقة،كما تم اسبعاد صقور وجنرالات آخرين (طرطاق )،كما تم استغلال وتنويم الشعب الجزائري لإعادة ترتيب الاوضاع وفق رؤية قايد صالح، مستغلا وموظفا الوثيقة الدستورية أحينا وتمريغها أحيانا أخرى. الجيش مكانه تاريخيا الثكنة والدفاع عن حدود التراب الوطني، وليس ممارسة السياسة أو توجيهها..

فكل التفاعلات الجارية الآن في الجزائر تتم وفق بوصلة الجيش، وهذا ما يستشف من وراء خاطاباته ومن المماراسات العملية التي تطرأ في الواقع الجزائري.. الوضع الآن في الجزائر يسير عكس الإرادة الشعبية؛ رئيس الحكومة، رئيس المجلس الدستوري، الرئيس المؤقت للبلاد  (والذي من المفترض أن يقود البلاد على الأقل 90 ! ! والله أعلم )إنها شخصيات مرفوضة من الشعب الجزائري لكن القايد صالح (باعتباره المتحكم في الوضع الآن ) يساهم ويكرس استمرارهم في الحكم وفي المشهد السياسي الجزائري، إنه تناقض واضح بين خطاب قائد الاركان "المساند للثورة" ومصالح صالح قايد وزمرته داخل وخارج الجيش.

إننا اليوم أمام شرعيتين في الجزائر احداهما "الشرعية الدستورية" تتناقض في العديد من جوانبها مع مطالب الجزائرين لكون تطبيق بعض بنود الدستور يفضي لا محالة إلى الاتيان برموز تابعه ولو نظريا/ومحسوبة على بوتفليقة ومن معه (العصابة ) إلى سدة الحكم مرة أخرى وعلى رأس المؤسسات رغم أن الشارع يطالب بتنحيتهم.. الثانية، شرعية الثورة، وهي التي يطالب ويأمل الجزائريين البناء على أساسها لإحداث التغيير المنشود في البلاد وتأسيس جمهورية ثانية تقطع مع المنظومة السياسية والقانونية السائدة والرموز والشخصيات والتي تدبر الأمور في البلاد اليوم.

قايد صالح في الظاهر يبدي أنه ينهل من الشرعية الأولى ويحاول أن يستثني نفسه كمحسوب على سستيم بوتفليقة، لكن الحراك الجذري سيلقي به جانبا حينما ينكشف جليا انه يريد الالتفاف على مطالب الشرعية الثورية.. انذاك هناك خيارين اساسين؛ اما زج القايد صالح بالجيش الجزائري في حرب ضد الشعب ومطالبه، وإما حدوث اضطراب داخل المؤسسة العسكرية تفضي الى انكسار مطامح صالح وتُظهر وجوه جديدة (جنرالات ) قد تدعي الانحياز مجددا لما ينادي به الشعب الجزائري، وتحاول من جديد إجراء إصلاحات وفق تصوراتها ومصالحها، أو قد تنقلب مائة وثمانون درجة على مطالب الشعب وتسحقها سحقا تحت مبررات شتى.. فتدخل بذلك الجزائر في نفق مظل على شاكلة "العشرية السوداء"، سوف تنهك البلاد، لاقدر الله، من جديد وسوف تكون لها تدعيات خطيرة ستفاقم الأوضاع حاليا في شمال إفريقيا والشرق الاوسط المشتعلة أصلا.

*الجزائر تايمز