قضايا

شكرا جلالة الملك على هذه اللحظة التاريخية

عز الدين إبراهيمي*

كم أسعدتنا هذه اللحظة البيوتكنولوجية التاريخية

كان بإمكاني أن أتحدث عن تونس ومحنتها… وعن ارتفاع الاصابات بالمغرب… ودلتا و المناعة… و جديد الدراسات  حول البروتوكولات العلاجية المستعملة بالمغرب... لكن لا يمكنني كمواطن ومدير لمختبر البيوتكنولجيا أن أفوت هذه اللحظة التاريخية بمناسبة توقيع مجموعة من الشراكات لتصنيع اللقاحات أمام جلالة الملك… و لايسعني إلا أن أهنئ جلالته على هذا اليوم التاريخي و بكل المقاييس… و لا يفوتني أن أخذ الوقت الكافي لأعطي قراءة متأنية في هذه اللحظة التاريخية والمفصلية للمغرب كبلد وأن أشكر صاحب الجلالة على اهتمامه بالميدان و جعله أولوية في البلاد… شكرا جلالة الملك المنصور بالله و سنكون في الموعد و ربح الرهان إن شاء الله..

أولًا، لا بد لي أن أعاتب كثيرا من المواقع الاخبارية التي لم تعط لهذا الحدث حقه و قرأته وحجمته فقط كمرحلة في مواجهة وباء كورونا… بينما أثمنه كرؤية ملكية استراتجية ذات أفق واسع  للدخول بالمغرب إلى عالم اقتصاد المعرفة الصحي و الدوائي… أظن أن الرؤية الملكية المتبصرة لتطوير وتصنيع اللقاحات والأدوية البيوتكنولوجية تتطلب وقفة وقراءة في ثناياها من طرف الجميع ولا سيما أنها  ستغير المغرب... و أنا أزن ما أقول..

يجب ثانيا أن نثمن القراءة الملكية الاستباقية للوضعية الوبائية و الصحية للعالم... فهذا القرن سيكون قرن أزمات صحية… أحببنا أم كرهنا… وكما رأينا خلال هذه الأزمة فكل الدول ستكون مرهونة بمدى استعدادها لمواجهة هاته الأزمات و مدى مناعة سيادتها الصحية... ولا سيما إذا كان وباءا محليا… و هذا المشروع لا يرنو فقط إلى الاجابة الآنية عن الحاجيات المغربية من لقاحات ضد كوفيد- 19 في ظل أزمة ستدوم لسنين عالميا… بل على المدى المتوسط صناعة كل اللقاحات الأخرى و البدائل الحيوية Biosimilaires… و كذلك تطوير هذه المنتجات العلاجية البيوطبية بالمغرب… من حقنا أن نطمح إلى منتوجات مغربية مئة بالمئة  وبال"Made in Morocco" في هذا المجال… و في القريب العاجل إن شاء الله.

كثيرون يظنون أن هذه الخطط و الشراكات الموقعة أمام جلالة الملك نتيجة لحظة… بل هو نتاج  انخراط شخصي وفعلي في تطوير خطة و رؤية استباقية متكاملة و مندمجة ليكون المغرب رائدا في مجال البيوتكنولوجيا الطبية… و لنعد إلى كرونولوجيا الأشياء…

بالطبع و في مواجهة الجائحة… شعرنا كباحثين بمرارة العاجزين و نحن نذعن في شهر مارس 2020 بأن المغرب لن يستطيع حالا لا تطوير و لا إنتاج اللقاح… و كم قسى الجمهور العريض على الباحثين في الميدان و قتها… و لكن صاحب الجلالة و كأب حنون انخرط شخصيا حتى لا يتكرر هذا الجواب مرة أخرى… و بتوصيات من جلالته انخرط المغرب في خلق بيئة بحثية وصناعية حاضنة لهذا المشروع الرائد… و في عالم يعيش حالة اللايقين الوبائي… انخرط المغرب في اليقظة الجينومية منذ شهر ماي 2020 و التي مكنت من إعطاء الضوء الأخضر للتجارب السريرة بالمغرب… و التي مكنت بدورها من إخراج الترسانة القانونية والاطار الاخلاقي الموازي للمشروع… كان بإمكان المغرب أن يشتري اللقاح الصيني فقط و لكن جلالته أكد على ضرورة نقل الفنيات و التقنيات التصنيعية للبلد… والمغرب ينخرط في ملحمة التلقيح الجماعي، جلالة الملك عمل ليس فقط على تطوير الرؤية والاستراتيجية بل خطة تنفيذية لهذه الارادة المولوية للتأسيس ل"تنين إفريقي في ميدان البيوتكنولوجيا" في ظرف الخمس سنوات المقبلة إن شاء الله… وتشمل الخطط ميادين البحث والتطوير والإنتاج وتسويق كل المنتجات البيو طبية التي نحن في حاجة إليها وتموقع المغرب كرائد جهوي و قاري ولم لا عالمي..

تطمح الرؤية الملكية إلى ضمان الاستقلال الصحي لبلدنا… فالأمن الصحي هو عنوان هذا القرن و لا يمكن تحجيم هذه الرؤية فقط في حالة الطوارئ فيما يتعلق بـ Covid-19 … فالأمر أكبر بكثير و يتعداه إلى تهيئة السياق والظروف اللازمة لرفع قدراتنا وقدرات قارتنا إفريقيا… فأنا إفريقي حتى النخاع و أؤمن بالرؤية الملكية في أن إشعاع المغرب وخلاصه في تعاون جنوب جنوب في إفريقيا و في جميع الميادين… من حقنا أن نطمح أن يكون المغرب رائدا إفريقيا… و يمكننا كإفريقيين أن نصبح مستقلين و في أقرب وقت ممكن فيما يتعلق بإنتاج اللقاحات والعلاجات البيولوجية و توأما للصناعات الدوائية الكميائية التي قطع فيها المغرب أشواطًا كبيرة..

ومهما كانت الكلفة… فالأمن الصحي القاري  و حياة المغاربة و الافارقة لا ثمن لها..

ومن الناحية الاستراتجية، الدرس الذي أستلهمه من هذا المشروع الفارق لبلدنا… هو الجرأة و الاستباقية… صاحب الجلالة يطالبنا أن نجرأ في أي ميدان كان… فمغرب الجائحة… الاستباقي والتشاركي و الجريء…. هو مغرب الغد… و يجب أن نكون عند حسن ظن بلدنا و ملكنا لرفع هذا التحدي لمجارات المقاربة الملكية المُلهَمَة و المُلهِمَة… من حقنا أن نطمح إلى هذا المغرب... و سنكون في الموعد إن شاء..

حفظنا الله جميعا

*المقال منشور على صفحة البروفيسور عز الدين إبراهيمي بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك