تحليل

العدالة والتنمية وحركة حماس: زيارة حضرت فيها الجماعة وغاب فيها الوطن

كفى بريس

في أوج الاشتباك بين فصائل المقاومة الفلسطينية والقوات الإسرائيلية بعد أعمال العنف التي اندلعت في حي الشيخ جراح في مطلع ماي من هذه السنة جرى اتصال هاتفي بين وزير خارجية المغرب ونظيره الأمريكي، والتي عبر من خلالها هذا الأخير عن إشادته بالدور الذي يضطلع به المغرب في تحقيق الاستقرار في منطقة موسومة بالاضطراب، وأكد بلينكين بمناسبة نفس المحادثة أن الرهان على المغرب كبير لتسوية النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. 

في هذا السياق بالضبط يمكن فهم زيارة وفد عن حركة حماس بقيادة إسماعيل هنية للمغرب، وفي إطار هذا المنطق يمكن أيضا إدراك الموقف الثابت للمغرب من القضية الفلسطينية، بكونها قضية إنسانية وليست ورقة للمساومة، والتحقق من معدن علاقة المغرب بكافة أطراف النزاع، القائمة على الثقة والوضوح، مما أهله للعب دور الوساطة كفاعل موثوق فيه من قبل كافة الأطراف.

زيارة وفد حركة حماس لا تفوق ولا تقل أهمية عن تلك التي قامت بها قيادات عن حركة فتح، وشملت هذه الزيارة جل القوى السياسية والحزبية بالمغرب. بيد أن حزب العدالة والتنمية أصبغ الأهمية على الصغائر، وحاول أن يصادر زيارة وفد حركة حماس لوحده دون غيره من القوى السياسية الفاعلة.

وفاء لنهجه المألوف يؤكد مرة أخرى حزب العدالة والتنمية على أن الجماعة أولا، وأنها أكبر من المجتمع، وأولى من الدولة، بل يمكن التضحية بمصالح الدولة فقط لتحيا الجماعة وتصان مصالحها. زيارة هنية للمغرب تعني شيئا واحدا لجماعة العدالة والتنمية وهي أنها فرصة لترقيع بكارة سياسية وأخلاقية مفتضة، تلمسا لطهرانية مزعومة واستردادا لأصل تجاري مفقود.

قد نسلم بإمكانية استثمار بعض المتغيرات في سياق التنافس الانتخابي، لكن ما يتعسر استساغته هو أن تبرمج الزيارة في سياق السباق الانتخابي، ويحاول بذلك حزب العدالة والتنمية استجداء أصوات انتخابية من بوابة القضية الفلسطينية، والتي يعرف الجميع مركزيتها في وجدان المغاربة.  لا تقبل هذه الأساليب المناورة إلا تفسيرا واحدا وهو ان وثوق العدالة والتنمية في زادهم لإقناع الناخبين بناء على قاعدة المنجز وعلى أساس الأداء قليل بل قد يكون منفرا. 

إن القضية الفلسطينية كقضية إنسانية وكمعركة عادلة، لا يمكنها بأي شكل من الأشكال أن تنزه مواقف أطرافها من الافتحاص والمسائلة والنقد. حق علينا أن ندعم الحل المنصف والعادل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ولكنه حق لنا أن نطالب أطراف هذا النزاع وغيره بالوضوح تجاه قضايانا نحن العادلة.

خصت الأمانة العامة للعدالة والتنمية وفد حركة حماس باستقبال خاص وبحفاوة قل نظيرها، ولكن هل استطاع حزب العدالة والتنمية انتزاع موقف صريح لحركة حماس من النزاع المفتعل في الأقاليم الجنوبية؟ هل تمكنت العدالة والتنمية من دفع حركة حماس إلى الخروج من منطقة المواقف الرمادية؟ جواب ما لم يرد في تصريحات أعضاء وفد حركة حماس، لكنه للأسف سؤال لم يطرح لا همزا ولا لمزا في كلمات قيادات العدالة والتنمية ولا في تغطياتهم الإعلامية للقاء. وبذلك فليس من باب المجازفة اعتبار هذه الزيارة لقاء حضرت فيه الجماعة وغاب فيه الوطن.