رأي

الحسين بكار السباعي: الفاعل السياسي المغربي وآفاق صناعة القرار الوطني

سأقف مع قرائنا الأعزاء على هذا المقتطف من أحد خطابات الملك التاريخية بقول جلالته : ” عندما تكون النتائج إيجابية، تتسابق الأحزاب والطبقة السياسية والمسؤولون، إلى الواجهة، للإستفادة سياسيا وإعلاميا، من المكاسب المحققة.

أما عندما لا تسير الأمور كما ينبغي، يتم الإختباء وراء القصر الملكي، وإرجاع كل الأمور إليه.

وهو ما يجعل المواطنين يشتكون لملك البلاد، من الإدارات والمسؤولين الذين يتماطلون في الرد على مطالبهم، ومعالجة ملفاتهم، ويلتمسون منه التدخل لقضاء أغراضهم.”

من خطاب جلالة الملك محمد السادس بتاريخ 29 يوليوز 2017 ، بمناسبة حلول الذكرى الثامنة عشرة لعيد العرش المجيد.

مقتطف من واحد من الخطب الملكية، التي تتسم بالصراحة و الواقعية و الخطاب المباشر، حيث يقوم الملك بوضع أصبعه مباشرة على مكامن الخلل، وتوجيه الخطاب المباشرة إلى القطاعات المعنية سواء تعلق الأمر بالحكومة والمؤسسات العمومية والأحزاب السياسية.

خطب ملكية تحمل دروس وعبر ، و سمات أساسية تأكد بشكل صريح الأولوية التي يوليها الملك لشعبه ، والهم الذي يؤرق باله من حيث العمل على تحسين ظروف عيش المواطنين اليومي ، خاصة أولئك الذين هم في وضعية هشة، والنهوض بأوضاع الشباب وتكريس مبادئ الحكامة الجيدة وربطها بالمحاسبة ، و التي تهدف إلى تمتع جميع المغاربة بثروات بلادهم .

لسنا بعيدين عن ماميز سنة 2020 التي استفاق العالم بحلولها على جائحة كورونا ، وما ميز المغرب من استباقية في التصدي للجائحة بمبادرات ملكية أولها إحداث صندوق للتصدي لآثار كورونا والعديد من المبادرات التي ميزت استباقيته المملكة على المستوى الاقليمي والدولي.

تنجالي سحابة سنة 2020 السوداء ،بالآمها و قساوتها ، لتطل علينا سنة 2021 وتحدياتها الإجتماعية والإقتصادية، و نستحضر معها مبادرة فاس ، التي شكلت ثورة على نظم الحماية الاجتماعية والدفع نحو توحيدها وتوسيع الفئات الاجتماعية المستفيدة ، في إطار نظام موحد يضمن تغطية صحية وإجتماعية لكافة المواطنين ، من خلال دقة المقترحات الموازية التي جاءت بها لمعالجة المتطلبات الآنية والمستقبلية للمغاربة وضمان كرامتهم وعيشهم الكريم ، بناءا على قواعد الحكامة والشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة التي ينتظرها المغاربة بشغف.

يليها تقديم تقرير النموذج التنموي الجديد ، وما يلزمه من توفير آليات التنزيل على أرض الواقع، وما يحتاجه من الفاعلين السياسيين والاقتصاديين يستشرفون المستقبل و ينظرون إلى الواقع المغربي، من نفس المنظار الذي يرى منه قائد البلاد .

سياسيين وأحزاب سياسية تابعنا معهم خلال الفترة الأخيرة في إطار الاستحقاقات الانتخابية المقبلة ، جدالهم العقيم المتهافت حول التزكيات والتمركزات المحلية والجهوية والوطنية وإعادة تشكيل الفروع وكأنها أكشاك موسمية ، الا بعض من أحزابنا المحترمة في نقطة من بحر الظلمات . اقتفينا خرجاتهم غير المألوفة ووعود الخيالية التي تحتاج الى خاتم سليمان وليس الى برامج واضحة تقوم على دراسات دقيقة ، في الوقت الذي كان لزاما على فاعلين و أحزابنا السياسية مراعات الوضعية غير المطمئنة للواقع الاجتماعي والاقتصادي المتأزم الذي خلفته جائحة كوفيد 19 ، و مشروع البلاد المصيري المتمثل في تنزيل النموذج التنموي الجديد ، نموذج يتطلب قبل كل شيئ كفاءات جديدة وواعدة مستشرفة لمغرب جديد ،فضلا على توحيد الجهود و تثبيت المسار لما فيه مصلحة الوطن والمواطن وأمام تحد كبير في طي صفحة نزاع الصحراء ، بعد أن اتضح للمنتظم الدولي أن جيراننا، سواء الجارة الشرقية أو الشمالية ،لم يكونوا أبدا في مستوى الحوار والشرعية الدولية.

فهل حكومة ما بعد الانتخابات المقبلة، قادرة على تطبيق توجهات المؤسسة الملكية ؟وهل تستطيع تنزيل النموذج التنموي الجديد وتوفير محفزات نجاحة من أطر وكفاءات جديدة وموارد جديدة ؟ وهل تمتلك الجرأة على صناعة القرار الإقتصادي و السياسي ؟