تحليل

لماذا لا يستمع صناع القرار في مدريد برزانة و حكمة للمغرب؟

عبد الصمد بنشريف

إذا كانت  مخلفات وبقايا التاريخ السلبية، مازالت تمارس وظائفها وتأثيراتها المعاكسة لمنطق المصالح الحيوية والمشتركة بين المغرب وإسبانيا  ، فإنه يتعين علي من يغذي ويعمل على تحصين هذه البقايا ،أن يتحرك صوب المستقبل، وأن ينصت صناع القرار السياسي والدبلوماسي والعسكري في مدريد برزانة وحكمة، إلي حقوق ومطالب المغرب، لا أن ينظر إليه كطرف أو كرقم باهت في المعادلات الجيو ـ استراتيجية والجيو-سياسية ، وهذا ما  تعكسه استراتجية الحكومة الإسبانية الحالية التي يرأسها الاشتراكي بيدور سانشيس ،حيث عمد ت إلى نهج أسلوب  لم يأخذ في الاعتبار مكانة وقيمة المغرب ودوره الإقليمي والدولي، وسمعته وصورته،ولم يأخذ في الحسبان الديناميات الإصلاحية التي أطلقها.  وعكس ذلك انجر ت إلى خيار اللعب بالمصالح المشتركة، وتسويق مواقف وخطابات الاستفزاز والعجرفة، عبر توجيه ضربات ماكرة إلى قضية الوحدة الترابية للمغرب ، وسعى راديكاليو الحزب العمالي الاشتراكي الإسباني بصورة حثيثة وغير مفهومة، إلى نسف عقود من بناء الثقة بين بلدين يشكلان نقطة تماس بين قارتين أساسيتين .

 وهذا ما يفسر على أن مدريد ليست في وارد إصدار إشارة قوية وصريحة  للإنصات إلى مطالب المغرب العادلة والمشروعة ،بل تراكمت غيوم كثيفة في سماء العلاقات المغربية- الاسبانية  بسبب المواقف المعادية والسلبية من ملف الصحراء ،واستغلالها لمسألة الهجرة غير النظامية لخلخة  الوضع وخلط الأوراق.

 وهذه المواقف المتطرفة تجاه الوحدة الترابية للمغرب، لا يمكن فصلها عن دعم جبهة البوليساريو بشكل مفضوح، والتماهي مع السياسةالخارجيةللنظام الجزائري ، في سياق مؤامرة انكشفت خيوطها خلال الأيام القليلة الماضية.والتي أزالت الغطاء عن النوايا النيو-كولونيالية المتعالية ،و اظهرت عنجهية وتنكر المسؤولين في مدريد لحقوق المغرب التاريخية في إسترجاع أراضيه المحتلة من طرف إسبانيا،  ووقوفهم المبالغ فيه ضد مصالحه الحيوية، والاستقواء  بالاتحاد الأوربي  لتجريد الأزمة الدبلوماسية بين المغرب وإسبانيا من الطابع الثنائي  .إن التلويح بورقة الضغط والتهديد من طرف الحكومة الاشتراكية  ، علاوة على الأكليشيهات الجاهزة والصور النمطية التي تروجها وسائل الإعلام والأحزاب الاسبانية عن المغاربة،يدل على وجود تصدع عميق في جدار الثقة بين بلدين وشعبين وثقافتين وحضارتين. 

وإذا كان منطق الجوار  يحتم رعاية المصالح المشتركة وتحصينها ضد النزوعات الهيمنية والاستعمارية، والتوجه نحو المستقبل بمقاربة مغايرة ورؤية تنتصر للواقعية التاريخية، والحتمية الجغرافية والبراغماتية السياسية، والشراكة الاقتصادية العادلة والعلاقات الثنائية التي تستند إلي المسؤولية والطموح والمصداقية، فإن المغاربة يرون أنه يتعين على صناع القرار في مدريد أن يراجعوا مواقفهم، وألا يعمدوا، كلما نشبت أزمة ما، إلى إشهار سيوف مستلة من غمد استعماري  وعلى الأحزاب السياسية والجمعيات المدنية والمؤسسات  الإعلامية في إسبانيا ،أن لا تعتبر المغرب غابة من التخلف ومصدر قلق وتوتر وإزعاج.

وفي الخلاصة، يمكن القول إنه عندما تتقاطع الجغرافيا مع التاريخ، وتتشعب علائقهما، يصير صعباً، بل مستحيلاً القفز على ما ينسجانه سوياً من قيم وثقافات وسلوكات وتصورات. إنهما الآلة الجبارة التي صاغت، عبر مختلف الأزمنة، ونحتت ذاكرة مشحونة بأفراح الماضي وجراحه، ومؤثثة بانشغالات الحاضر وهمومه وقلقه ومسكونة برهانات المستقبل وتحدياته والتباساته. وبما أن المغرب وإسبانيا يتقاسمان تاريخا مشتركاً، ويجمعهما قدر جغرافي ينطوي على تناقضات ومفارقات كثيرة، فإنه من الطبيعي أن يفكرا معاً، وبعمق، في الأشكال الأكثر  نجاعة ومرونة ودينامية، لجعل الحوار والتفاهم بينهما جسراً دائما ومتماسكاً، يصعب على التوترات السياسية الظرفية، والأمزجة المتشنجة في الجارةالشمالية، أن تعصف به، أو تعرضه لتصدعات واهتزازات.