تحليل

العزلة المميتة

يونس وانعيمي

في العلاقات الدولية هناك دوما هامش ضئيل لحسن النيات المطلقة.. وإطار ضئيل متروك للتودد المجاني.. إنه مجال تقاطب القوة والمصلحة بامتياز.. والمعاهدات كوثائق تجارية عامرة بالمقتضيات الربحية والشاطر هو من يضع اكبر عدد من البيض في سلاله.. أوروبا كانت شاطرة بفرض الأمر الواقع للقوة، وبما ان مفهوم القوة بدأ يتطور، تحولت مفاوضاتها لسرك من التنازلات أمام صعود لاعبين جدد كروسيا (البوتينية) التي استرجعت سلطتها على قزوين وكرواتيا، وتركيا (الاردغانية) التي قوست ظهر أوروبا من جهة اليونان وقبرص، واليوم تخرج دول أفريقيا، كما قلاعها التقليدية بالشرق الأوسط (الأردن، ولبنان) من سيطرتها الاستعمارية التقليدية... طبعا ففي الواجهة هناك المغرب وسيادته، وذكاءه في اللعب على أوتار دبلوماسية جديدة بنوتات موسيقية مختلفة، لكن في العمق هناك أمريكا وحلفاؤها العضويون، التي انتبهت لضرورة تحصين قلاعها في أفريقيا وهو ما اطلق وسيطلق تداعيات جيوسياسية جديدة على كل المنطقة.

أوروبا ليست خرقاء وتعلم جيدا ان بلاغات الخارجية الإسبانية ليست بالضرورة بلاغاتها.. وليست عمياء لتتجاهل ولا تقايس جهود أمريكا في المغرب.. وتعلم جيدا ان أوروبا نفسها لم تعد بنفس صلابة التكتل القديم وتعلم بدقة ان أسبانيا لا تتمتع اصلا بمكانة أوروبية ما الا لكونها جارة للمغرب. وبالتالي ستطلب من أسبانيا إعادة بناء هذا الجوار الضروري والوجودي لأوروبا بعقلية مختلفة تستدمج كل المعطيات الإقليمية المستجدة، السالف ذكرها.

أسبانيا أمام محك حقيقي في تغيير عقيدة الجوار. البارحة اغلقت منافذها مع جارها التاريخي البرتغال، واليوم لا يسمح لها بارتكاب اخطاء "ارتكاس العزلة" مع المغرب لأنه ارتكاس ربما سيعزل أوروبا عن أفريقيا. وكم هو مميت.