تحليل

المغرب ضمن النطاق الأخضر للخريطة العالمية لمخاطر كورونا بفضل الإجراءات الترابية القوية والاستباقية

الطيب حمضي*

التخفيف التدريجي الآمن دون تسرع:

إذا كانت بلادنا اليوم متحكمة في الوضعية الوبائية، ومؤشراتنا الوبائية كلها خضراء، وبلادنا توجد من بين النطاق الأخضر في الخريطة العالمية لمخاطر وباء كوفيد 19، فمردُ ذلك  للإجراءات الترابية القوية والاستباقية اتي اتخذتها بلادنا خلال الأشهر الأخيرة. بدونها لم يكن من الممكن تحقيق هدا النجاح. كثير من المواطنين يحترمون الارشادات الصحية الفردية والجماعية للوقاية من الفيروس ويساهمون بذلك في الحد من انتشاره، لكن الكثيرين لا يبالون للأسف بهذه الاجراءات ويساهمون في انتشار الفيروس وتعقيد مهمة محاصرة الوباء.

قرار التخفيف من التدابير هو قرار بيدنا جميعا: كلما التزمنا بالتدابير الاحترازية كلما لم تعد هناك حاجة للتدابير الترابية.

لحسن الحظ أن بلادنا اتخذت إجراءات قوية واستباقية بفضل التدخل الملكي مبكرا، وهي الاستراتيجية التي اعتمدتها كذلك بلادنا في الأشهر الأخيرة وأتت اكلها وأظهرت دراسة علمية نجاعتها: تشديد الإجراءات الترابية كل ما كان هناك تراخ، بشكل استباقي، وخلال المدة الكافية لتكسير المنحنى الوبائي وليس فقط تسطيحه. يمكننا اليوم الاعتماد على دراسة علمية نشرت مؤخرا بالمجلة العلمية المرموقة Th Lancet يوم 28 ابريل، والتي اجراها خبراء في الصحة والاقتصاد، وخلصت الى كون استراتيجية الاستباقية والقوة في الاجراءات التقييدية واطالة مدتها حتى كسر منحنى الوباء والمسماة استراتيجية صفر كوفيد Stratégie Zéro COVID، تفوقت بكثير على استراتيجية التعايش مع الفيروس وتخفيف الإجراءات ثم الاغلاق والمسماة استراتيجية التعايش أو Stop and Go. أجرى الباحثون الدراسة على مدى سنة من تدبير جائحة كوفيد بال 37 دولة أعضاء منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية منهم خمس دول (اليابان، كوريا الجنوبية، آيسلاندا، استراليا ونيوزيلاندا) تبنت استراتيجية كسر المنحنى، وال 32 دولة المتبقية تبنت بشكل من الاشكال استراتيجية التعايش مع الفيروس والفتح، الى ان تصل الأرقام لعدم تحمل المنظومة الصحية والاغلاق من جديد. تمت مقارنة الاستراتيجيتين من خلال أثرهما على ثلاث مؤشرات أساسية: الوفيات، الاقتصاد، والحريات.

استراتيجية القوة والسرعة والتشديد أدت الى وفيات 25 مرة أقل:

وخلصت الدراسة الى نتائج مهمة ومفاجئة للكثيرين: استراتيجية القوة والسرعة والتشديد أدت الى وفياة 25 مرة أقل. أكثر من ذلك، هده الاستراتيجية، التي تنعت بالصارمة، أدت الى آثار اقتصادية أكثر إيجابية من الدول التي كانت تخفف بدعوى الحفاظ على الاقتصاد! فالناتج الإجمالي المحلي PIB تأثر بشكل أقل وتحسَنَ بعد ذلك وأضحى إيجابيا بسرعة، بينما في الدول الاخرى لا زال في الأحمر ولم تتعافى اقتصاداتها بعد. كما أن الحريات الفردية بالدول الخمس تأثرت بشكل أقل من الدول الباقية. وهكذا فان الدراسة أثبتت من جديد، أن التدابير الاستباقية والسريعة والقوية والممتدة من أجل كسر المنحنى تعمل ليس فقط على الحفاظ على الصحة وحياة الناس بل تحافظ في نفس الوقت على الدورة الاقتصادية والحريات، عكس ما كان يظنه الكثيرون من كون الحفاظ على الحياة يتعارض مع الحفاظ على الاقتصاد او يضر الحريات.

استراتيجية هي أقرب لتكسير المنحنى:

بلادنا اختارت استراتيجية هي أقرب لتكسير المنحنى، وبفضل دلك نتمتع اليوم بوضعية وبائية جيدة ومستقرة (مؤشر الإصابة في 24 ساعة أقل من 1 لكل 100 ألف نسمة، معدل التكاثر اقل من 0.7، معدل ملئ أسرة الإنعاش المخصصة لكوفيد أقل من 7%، الوفيات أقل بكثير من 10 يوميا، معدل الايجابية بين 3 و4% من التحاليل المجراة). بلادنا متفوقة في تدبير حملة تلقيح مبكرة وناجحة حيث وصلنا اليوم لتلقيح الفئات العمرية من 45 سنة فما فوق. هدا يمكن بلادنا من تخفيف التدابير الترابية بشروط: اولا التدرج الآمن ودون أي تسرع، الاحترام التام للإجراءات الاحترازية الفردية والجماعية المنصوح بها من طرف كافة المواطنين والمؤسسات والمقاولات، تعاون المجتمع المدني مع السلطات المحلية والامنية وسهر الجميع بحزم على التحسيس وعلى احترام الاجراءات الاحترازية. كل تقاعس او تراخي، من طرف المواطن أو المقاولة، في الالتزام بشروط الوقاية سيضاعف خطر الانفلات الوبائي، ومن ثم الرجوع بقوة لتدابير تقييدية أكثر شدة وأطول مدة. لا يمكن المغامرة بإجراءات التخفيف بدون ضوابط وبدون آليات للتحكم القبلي والبعدي في أي تطور سلبي للحالة الوبائية. التضحيات والمجهودات التي قامت بها بلادنا لا يمكن المغامرة بها وخصوصا نحن في مرحلة جني ثمار ما بدلناه من مجهودات وما حققناه من نجاحات، وليس تبديد هده المكتسبات. الدول التي لقحت حتى 60% من ساكنتها وتراخت ساكنتها وخففت بشكل متسرع شهدت انفلاتا وبائيا أدى لإعادة الاغلاق (الشيلي، جزر السيشل..). الدول التي كانت لها حالة وبائية جيدة وتراخت (الهند) تعيش مأساة حقيقية، وتلك التي خففت بسرعة شهدت موجة ثالثة قوية أدت الى التراجع عن ذلك بل لإغلاقات عامة جديدة (بريطانيا، فرنسا، البرتغال...)،

الفضاءات المغلقة هي أكبر خطر لنقل العدوى:

اليوم نحن امام تحدي التخفيف لربح حياة اجتماعية واقتصادية وسياحية، دون المخاطرة بمكتسباتنا جميعا. اليوم الدراسات تؤكد أن الفضاءات المغلقة هي أكبر خطر لنقل العدوى، يجب تهويتها وعدم ارتيادها كل ما أمكن، مثلا استغلال الفضاءات الخارجية للمقاهي والمطاعم عوض الداخل وتساهل الجماعات المحلية معها في هده الظروف، غسل اليدين ثلاث او أربع مرات في اليوم كافي جدا للوقاية، التباعد والكمامة أهم حاجزين امام الفيروس. هده إجراءات بسيطة ومجانية وبإمكانها الحفاظ على صحتنا وحياتنا وعلى حياتنا الاجتماعية والاقتصادية والسياحية ومساعدة بلدنا على المضي قدما نحو التخفيف. ومن المؤكد ان التراخي وعدم احترامها سيؤدي الى انتكاسة وبائية لا قدر الله ترجعنا كثيرا الى الوراء.

لنتحمل جميعا مسؤولياتنا.

*طبيب وباحث في السياسات والنظم الصحية