قضايا

البحر لم يعد أمامكم...

يونس وانعيمي

هل من حظ المغرب ان يكون محاصرا، شرقا وشمالا، من طرف جارين معاديين؟

الجار الشمالي كان وما يزال مستعمرا لأجزاء من التراب المغربي وما تزال سبتة ومليلية ربما أقدم وأخبث وأتفه وجه استعماري معاصر على الإطلاق.

أما الجار الشرقي فهو يسلح ويمول، بوجه مكشوف وأبله، ميليشيا إرهابية مسماة "البوليساريو" حفرت لها الجزائر، كالجرذان، حفرة من ترابها لتخرج بين الفينة والأخرى تهدد أمن وسلم وانتساب الصحراء لبلده الأم الا وهو المغرب.

وفي كل مرة يخطو المغرب خطوة دبلوماسية لتحصين قلاعه ومواقعه، يخطو هاذان الجاران خطوات للوراء من أجل تكليس وتحجير مواقفهما العدائية بدعايات تكشف تورطهما معا في "تقويض استقرار المغرب".

إن ترسيم الحدود المغربية البحرية الجنوبية مع جزر الكناري وتثبيت سيادة المغرب على دروعه القارية والبحرية وما تزخر به من موارد طاقية هائلة، هي ما ادخل ألمانيا وإسبانيا في نوبة "ندبة هستيرية" وهي ما جعلهما يفقدان الرشد الدبلوماسي فيما يتعلق بمواقفهما من قضية الوحدة الترابية للمغرب.

لم تخبرهما مخابراتهما ولا محللو مراكز بحثهما ان المغرب غير بشكل جذري اسلوبه الدبلوماسي القديم واستهانا بقدرة المغرب المرور بسرعة لما وراء "الهامش الديبلوماسي" واستدعاء سفراءه بل وقطع العلاقات وتصعيد المواقف..

كما نسيا ان أمن أوروبا الإنساني يدخل في صلب مهام وخبرة المغرب سواء الاستباقية او التطويقية (للهجرة وكارتيلات المخدرات وجماعات الإرهاب..). ولا أعلم كيف تناسوا ان الجزائر نفسها هي نقطة ارتكاز للفوضى الخلاقة التي تدبر بها روسيا والصين توسعهما الإقليمي والقاري وان الجزائر مدخل من مداخل اجتياح الشرق لأوروبا الرازحة تحت وقع وخطورة التفكك (خروج بريطانيا). لا يفهم كيف لمعسكر غربي يتلاشى ان يفضل إضعاف الحليف الاستراتيجي. بحيث ظل المغرب ولغاية البارحة يحظى بوضعية صديق استراتيجي متقدم.

أن تولي أوروبا ظهرها لحلفائها التاريخيين بشمال أفريقيا وتستقبل مجرمي حرب المعسكر الشيوعي البائد وتغض الطرف عن اسهامها الجيوسياسي الفاعل في حل معضلات حدود جيرانها وتنسى ان التعويل الدائم على هؤلاء الجيران لحماية حدودها امر لا يدوم في جو الصراع والتشنج.. هي أمور تدل على أن أوروبا دخلت الأزمة الثانية بعد ازمتها الاقتصادية الوحدوية الأولى: ازمتها اليوم هي إعادة وضع أسئلة وجودها وحدودها ومكوناتها العضوية المحددة لأمنها واستمرارها.

ما وقع في معابر سبتة البرية والبحرية وما عرفته من نزوح بشري كبير من جهة المغرب يطرح اكثر من تساؤل.

ما وقع ليس حدثا عابرا خارجا عن سياق العلاقات المتشنجة ما بين المغرب وإسبانيا. الحدود اما ان نحرسها بصرامة من الطرفين وإما ان يتغاضى طرف عن تلك المهمة مادامت لا تثمر امتيازات فيما يتعلق بتقوية المصالح. المغرب وجد نفسه يحرس حدود دولة "مستعمرة" ومتماطلة كثيرا في تقدير سيادته على كل أراضيه المشروعة. وجد نفسه يحرس مدنه المستعمرة وحدود جار شمالي "غامض" بل ومتورط لدرجات واضحة في دعم الانفصال بالمغرب. ومن الطبيعي ان يسحب المغرب دركييه، وجماركه، وشرطته الحدودية من على اسلاك "العار" ويغض الطرف، مؤقتا، عن مهمة حراسة ممرات "بلا جزاء ولا إحسان".

ما وقع بسبتة، هو نزوح كبير لشباب ويافعين مختلطين فيهم مغاربة وافارقة ومغاربيين بالنظر لأهمية المعبر حدوديا بالنسبة لكل المهاجرين السريين ليس في المغرب بل في القارة الأفريقية كلها. من الطبيعي ان يكون "صبيب الهروب" مرتفعا ومربكا جدا للسلطات الحدودية الإسبانية.. التي لم تعرف، بعد انسداد قنوات الاتصال مع المغرب، هل تنظم تدخلا عسكريا مسلحا لوقف تدفق الهجرة، في وجه أناس عزل، ام تستعجل الأمر لوضع حواجز مكلفة ماليا وبشريا، ام تستعجل الاتحاد الأوروبي لتحريك تواصل دبلوماسي اكبر مع المغرب الذي يريده لتوضيح مواقف أشمل وتثبيت نقط افضل.

من الطبيعي ان تتحرك الدعاية الاعلامية الإسبانية اولا والاوروبية والجزائرية لتصور العابرين من حدود سبتة كوحوش زومبي منفلتة وهاربة وخطيرة على الأملاك الإسبانية وعبادها.. ومن الطبيعي ان الناس وساكنة لفنيدق المتضررين من إغلاق معابر السلع سيكونون هم أول العابرين (...) إنه  فيلم عنوانه "البحر لم يعد أمامكم"، لكن في علاقتنا مع أسبانيا كثير من النيات المبيتة وسوء الفهم الطويل. وفعلا، للمغرب ورقة ضغط اسمها الهجرة السرية، ولا مانع في استعمالها بين الفينة والأخرى.. كما تفعل تركيا وأوكرانيا وسوريا والمكسيك ومصر وكوريا والكثير من دول ذات الحدود المأزومة.

ستتحول في النهاية سبتة ومليلية كشوكة في خاصرة المستعمر وأتساءل بجدية عن الكلفة المالية واللوجيستيكية والأمنية وجيوسياسية التي تكلفها وستكلفها مستقبلا هذه الثغور المحتلة لنظام اسباني يرزح تحت اخطاءه التاريخية القديمة.