رأي

يونس وانعيمي: لقد كذبنا بمراكش وعليها.. فجاء الوباء ليعري كل تلك الأساطير

للأمس القريب كان التباهي والتبجح بان مراكش وجهة عالمية، دولية، كونية، كافية للجميع ودوما ... للأمس القريب كان الجميع يتباهى أمام اقرانه بأنه يزور مراكش كل سبت، ويتفاخر بأنه سافر عبر الزمن حيث كان اميرا في سمره يلف حوله الولدان والصولجان..

للأمس القريب كان الصخب يعج بمراكش، لكنه في الواقع كان وشاحا يحجب: يحجب عنا رؤية ان كل أثاث مراكش الذي نقلوه إليها كان أثاثا من سراب، وأن كل الرقص الذي ملؤوا به شوارع مراكش كان رقص أشباح في حفلة تنكرية، وأن البهجة كان ضحكات هستيرية لروح رأت ملكوت موتها.. كل ذلك الزيف حجب عنا ان أناس مراكش البسطاء الطيبين ليسوا اؤلئك المتبجحين في سياراتهم الفاخرة، ودراجاتهم النارية المدوية وعضلاتهم المفتولة المدهونة بالشكلاطة تحت بريق الشمس، ولا اؤلئك المتنمرين على كل شيء في خيلاء سافر..

بل أناس قهرهم العيش المتناقض في حقبتين جيولوجيتين مختلفتين، يشهدون في واحدة على بدخ البادخين المتعجرف المراهق ويعودون في حقبتهم الزمنية الثانية لاحتساء حساء "البلبولة" والنوم متكدسين في غرف صغيرة ساخنة تشبه خزان غسان (كنفاني).

مراكش اتعبها فلكلور تافه مزيف اذر على المستثمرين الدخلاء اموالا طائلة من جيوب السياح التافهين وترك الساكنة تتسول: في الحلاقي وأمام الفنادق والساحات.. حتى غذا التسول والسمسرة (في النقل والمبيت والاكل واللذة) مهنة من لا مهنة له.. بنيت مراكش على اقتصاد ريعي غير مهيكل وهش.. وراهنت مراكش على السياحة "الغاذرة الخائنة" التي بعدما تغمرك بالسعادة والحب، تترك لتتزوج بلادا أخرى.. وبعد ما افرغت الجائحة دروب وازقة مراكش من كل هذا الصخب الزائف، تحول المراكشي لهيون-تشو ذلك الهيروشيمي (من هيروشيما) الذي جلس جثة صماء تحت الشمس بعد إلقاء القنبلة على رأسه.

هل ستستمر أوديسا التسول ونرش اهل مراكش بالصدقة لنوقعهم في نفس القبر؟ أليس لهذه العاصمة والحاضرة العامرة بالتاريخ، مخرج خاص بها، يوثرها بأنفة لندن وشنغهاي وسنغفورة؟

لماذا نصر على أن نلبس المراكشي لباس الكراب (بائع الماء) ولكناوي (راقص صحراوي) وقفاز ملاكم شعبي بئيس، وجلباب امازيغي فقير يحمل ربابا ويرقص كعود نبتة يابسة، أو نضع عليه مساحيق انثوية ونلبسه قفطانا رثا ليلعب دور مومس تطارد رجال الحلقة كآنسة مغشية تتغنج كمومياء مجروحة (حلقة الآنسة)... ونسمي كل ذلك ثراثا..

التراث لا يدفعنا ابدا للتسول. بل يغمرنا بالسلم حيث الحرب، وبالروية حيث العطش، والرؤية حيث السديم وبالكرامة في عمق دورة المهانة.

لقد كذبنا بمراكش وعليها، فجاء الوباء ليعري كل تلك الأساطير.