رأي

زينبة بنحمو: أيام رمضان، أيام الحنين.

وضع المواطن الملف أمامي، فتحته لأتأكد أنه مستوف لكل الوثائق المطلوبة لأسلمه وصل الإيداع، بدأت أمرر الوثائق، الواحدة تلو الأخرى.. فجأة تسمرت عيناي على الطلب الخطي، وغبت تماما عن اللحظة وسرح بي الخيال إلى الماضي البعيد. يا إلهي الطلب كأنه مكتوب بخط يد والدي، رحمه الله، بدأت أمرر يدي بحنو على الورقة أتحسس الكلمات، كأني ألمس يده، غير منتبهة للرجل الواقف أمامي، اعرفه جيدا خطه ولا يمكن أن انسى نقشه ما حييت.. كم اشتقت إليه.

دخلت شابة جميلة، وضعت الملف أمامي، وقبل أن أفتحه فاح اريجه بأرجاء المكتب، فتحته وبدأت اشمشم دون حرج، وفكرت بصوت مسموع، أعرفه هذا العطر، اعرفه جيدا، إنه عطر شقيقتي المفضل.. كم اشتقت إليها والى أبنائها..

دخل رجل في بداية الخمسين، وضع أمامي ملفه، فتحته وقرأت الاسم فشعرت بالانزعاج، ولويت  فمي لا إراديا، ما زال الإسم يذكرني بشخص كريه وفترة عصيبة.. ابتسمت للرجل وسلمته الوصل.. لا أحب أن أسمع هذا الإسم.

دخلت امرأة راقية، وضعت أمامي الملف، أبديت إعجابي بعملها، لا أعلم كيف استمر الحديث بيننا، فحكت لي قصتها مع الفقد..والإبداع.. يا إلهي كم تذكرني بنفسي..

دخلت امرأة من دوي الاحتياجات الخاصة، لا أعلم كيف صعدت الدرج وحجم المشقة التي وجدتها، فنحن لا تتوفر عل  مصعد، تمنيت أن أتسلم منها الملف، رغم أنه غير مكتمل، حتى لا تضطر لصعود الدرج مرة أخرى، لكن الإدارة لا تعبأ ولم تقترح تعاملا تفضيليا مع هذه الفئة، وأنا ملزمة باحترام التوجيهات.. ليتني استطيع التساهل معها.

دخل رجل يحمل مجموعة من الملفات، استلمتها بابتسامة، وبدأت أمرر الملفات، ملفا تلو الآخر.. سلمته تواصيل الإيداع.. بعد أيام عاد يحمل مجموعة أخرى.. في المرة الثالثة عاد يحمل مجموعة ثالثة، وقبل أن يضعها على مكتبي سلمني هدية من زوجته، العائدة للتو من الجهة التي إليها أنتمي، اعتذرت عن أخدها لأني لم أقم بغير عملي، قال إن الابتسام، والتعامل بلطف، والاريحية، حسن خلق يستحق هدية... الله اخرج سربيسنا على خير.