قضايا

الانتخابات ينبغي أن تجري على أساس الأفكار والبرامج لا على تقديم الخدمات والمصالح الشخصية

سمير أبو القاسم

من متطلبات الانتخابات الديمقراطية تنظيم عمل المؤسسات من خلال تقييد سلطة الحكومة بدستور يخضع له الجميع على قدم المساواة، بل وتقييد سلطة الأحزاب والنقابات بقوانين تنظيمية وداخلية ينضبط لها الجميع دون تمييز حسب المواقع، لضمان توفير آليات محددة لصنع القرارات وللمساءلة السياسية، وصيانة حريات الأفراد وحقوقهم.

وهو ما يوفر شرط تمكين المواطنين من المشاركة السياسية، واعتماد مبدأ التداول السلمي للسلطة، وحق جميع القوى السياسية في التنافس على مواقع المسؤولية داخل المؤسسات المنتخبة، استنادا إلى مبدأ "الشعب مصدر السلطة"، وهو كذلك ما يوفر شرط تنظيم علاقة المؤسسات المنتخبة بالجماهير على أساس تمتع كل فئات المجتمع بكل الحقوق والواجبات على قدم المساواة، وتساوي فرص المشاركة السياسية أمام جميع المواطنين دون تمييز على أساس الأصل أو اللغة أو العرق أو الدين أو المذهب أو المكانة الاجتماعية أو الاقتصادية أو المجالية...

 

ونحن في معمعان التحضير للانتخابات العامة القادمة، لا يسعنا سوى تذكير الحكومة والأحزاب والنقابات بأن هذه الانتخابات موضوع رهان كل المغاربة، من حيث استنادها إلى دستور وقوانين تنظيمية وضعت مبادئها الديمقراطية موضع القابلية للتطبيق، لتتسم بخصائص الفعالية والحرية والنزاهة، ولتقوم بوظائفها المتمثلة في إضفاء شرعية شعبية على المؤسسات المنتخبة، والعمل على الاستجابة للضغوط المطالبة بالإصلاح واحترام حقوق الإنسان، ولتحترم مبدأ حكم القانون، ولتمكن مختلف الفاعلين السياسيين من منافسة الأغلبية القائمة.

 

فالانتخابات تجرى أصلا على أساس الأفكار والبرامج السياسية التي تعالج قضايا الشأن العام، بدل الانغماس في براثين تقديم الخدمات والمصالح الشخصية، الذي يؤدي حتما إلى عزوف العديد من الفئات الاجتماعية عن المشاركة، من قبيل المثقفين والشباب والنساء...

 

وهذا ما يبرز في الانتخابات الديمقراطية دورها التثقيفي العام، باعتبارها تشارك في تثقيف المواطنين بالقضايا المتصلة بالشأن العام، لتمكين البلاد من تجديد حيوية مجتمعها والدفع بعناصر جديدة إلى مواقع صنع القرارات، والتحرر من سيطرة أغلبية أو حزب أو جماعة ما، وتفادي إفقاد أجيال فرصة المشاركة السياسية. وهذا بالضبط ما يمكن أن يلعب دورا تعبويا عاما، ويساهم في إعداد وتدريب السياسيين والقادة المحتملين، وتأهليهم للمناصب السياسية.

 

كما لا يمكن تصور إجراء انتخابات ديمقراطية دون بلوغ مقصد محاسبة المسؤولين السابقين ومساءلتهم وقت الانتخابات، عبر فتح نقاش عمومي حول أداء المؤسسات المنتخبة، وتقييم وتقويم برامج المتنافسين قبل الانتخابات.

 

وبذلك، توفر الانتخابات آلية للتداول على السلطة وتغيير مركز القوة. كما تضمن تعددية سياسية من خلال تمثيل جميع التيارات الرئيسية في المجتمع عموما وداخل الأحزاب خصوصا، وتمثيل مناسب لمختلف الفئات الاجتماعية، وإتاحة الفرصة أمام الناخبين لممارسة مشاركتهم السياسية.