رأي

عبد الله العمراني: إخواننا الحمير

غالبا ما أخرج في اتجاه  البادية من أجل استنشاق هواء أنقى من ذاك الذي يرابط داخل البيت بفعل  النوافد الموصدة تارة بدعوى تفادي إحداث مجاري للهواء قد تتسبب للصغار مثل الكبار في منغصات صحية قد تصل حد الخطورة، وتارة أخرى بسبب الطبخ الذي لا ينتهي  و الذي يتطلب محيطا تكون حرارته غير متقلبة. 

المهم أنني صحبة المدام قررنا  ضرب عصفورين بحجر واحد: من جهة تخزين رئتينا بما يكفي من أوكسيجين و البحث في إحدى الأسواق القروية  الأسبوعية عن الدجاج البلدي الحقيقي لاستعادة لذة أكل لحم هذا المخلوق الذي أصبح العثور عليه  إنجاز جدير بالتدوين بل بالتأريخ. 

لهذا الغرض انتقلنا للسوق الأسبوعي بضواحي سيدي بوقنادل والذي يذكرني بأسواق شمال المملكة حيث كنت أصحب صغيرا والدي الذي كان أمينا للكسابة حيث كان يعتبر الحاج عبدالوارث العمراني  من اكابر هذه الحنطة.  كان المرحوم يخشى علي من ضربات الشمس ولذلك كان حريصا على إبقائي بعد جولة  خفيفة تحت ظلال قيطون أحد معارفه من الباعة العارضين. ومثل هذا الحذر مارسته علي زوجتي التي الحت علي بانتظارها بعيدا عن الزحام والشمس تحت ظلال شجرة  رُبِطَ إليها حمار لطيف. وما أن شعر الحمار ابتعاد زوجتي حتى اسْتَدارَ إلي "مبتسما" وخاطبني:

- يوم سعيد سيد عبد الله...

-ياللغرابة! إنك تفاجئني! كيف عرفت إسمي بدون سابق تقديم؟ 

- لاحاجة لمخلوق أن يتخرج من هارفارد ليستنتج ذلك. الم توصيك المدام وهي تردد إسمك: " خلي  بالك من  الشمس يا عبدالله "

- بالفعل. أنت  حمار على بينة من أمرك.

- كيف لم تنتبه لهذا الأمر وأنت صحفي مهني؟  في زمننا هذا أدرك الحمار مراتب  عالية في المجتمعات  المتقدمة. إنه يعمل في  شتى  المجالات، حتى السيرك! 

- لست متفقا كلية. ما زالت الحمير، رغم كثرتها، لا تساهم بالشكل  المطلوب في مجهود التنمية الوطنية. أنتم معشر الحمير مثلا غائبون عن الساحة السياسية...

- هنا أنا اعترض، هل نسيت عزيزي عبدالله أن الحمار  استطاع أخيرا أن يربح الانتخابات بالولايات المتحدة التي اعترفت مؤخرا بمغربية الصحراء ، هل نسيت أن شعار الحزب الديموقراطي الأميركي هو الحمار ؟

-إنك لا تجانب الصواب عزيزي الحمار:ما داموا قد استحسنوا هذا الشعار فلا بد أن الحمار حيوان مفيد، ثم أن الحمار بحد ذاته حيوان مسالم خدم البشرية لعدد من القرون، بل إنك تجد اليوم بعض الخيول غير مدجنة ولكنك لا تجد حماراً الا مطيعاً وخادماً لسيده. 

- ثم أن الحمار ليست له علاقة بقلة الوعي، لأن ما إن تُعلّمه على طريق يمشي فيه فهو يفعل ذلك تكراراً ولا ينسى ذلك الطريق، كما أنه وفيّ لصاحبه، فبعض البشر ينسى مثلاً الطريق السليم أو ينسى كيف يختار كلماته ليلقيها على الناس، أو غير وفيّ، وما اكثرهم! 


-بالفعل، تذكرت للتو كتاب   توفيق الحكيم (حمار الحكيم). فلقد قارن الحكيم في روايته بين الريفي المصري والريفي الفرنسي وذلك حتى يبيّن لرفيقه الحمار أسباب تدني وضع الريف، وقد تمنى الحكيم أن يتحسن الوضع مع مرور الوقت وذلك من خلال تحسين وضع المرأة الريفية... إلى آخر الرواية التي كان يحدّث حماره الصبور في كل شاردة وواردة، فقد أدّى الحمار هنا خدمة متميزة للثقافة العربية لا يستهان بها.

- وربما لا تعرف  عزيزي عبدالله  أن هناك يوماً عالمياً للحمير كما هو  الشأن باليوم العالمي للتسامح مثلاً أو لِحقوق الإنسان، وهناك مسابقات تجرى لاختيار ملك او ملكة جمال الحمير.  

-اذاً رمزية الحمار موضوع يختلف من ثقافة الى أخرى، فبعض الثقافات تعتبر لحم الحمار من الأطعمة الشهية. 

- سأودعك صديقي عبدالله. إني أرى زوجتك قادمة وبجانبها رجل يحمل أربعة فرارج.  أتمنى لك أطباقا شهية.