رأي

طالع السعود الأطلسي: عن "البوليس السياسي" الذي "يفترس" الدولة!

فعلتها المخابرات المغربية، مرة أخرى… جنبت فرنسا، في جنوبها، عملية إرهابية محتملة. أعلنت ذلك وسائل إعلامية فرنسية… في هذا، مرة أخرى، تبثث أجهزة الأمن المغربية فعاليتها اتجاه زميلاتها… تؤكد طليعيتها وجدارتها في المواجهة العالمية للإرهاب… وتعمق إضافاتها وإسهاماتها الديبلوماسية لتغذية المقام المغربي في العالم. سبق لأجهزة الأمن والاستخبار المغربية أن أثبت مهنيتها العالية في علاقاتها وعلاقات المغرب الخارجية، حين تدخلت بالخبرية الدقيقة والمفيدة لأجهزة أمن اسبانيا، فرنسا، بلجيكا، الولايات المتحدة وسيريلانكا…

الأمن المغربي أضحى واحدا بل أساسا من أساسات النجاحات الوطنية، السياسية، الاقتصادية، الصناعية والاجتماعية… نجاحات مرتكزها الاستقرار والذي من مقوماته ومن أدواته سيادة القانون، وضمان سيادته بالفعالية الأمنية.

على هامش وحوالي هذا المسار السياسي للمغرب، تسمع، بشكل متقطع، ضوضاء… مجرد ضوضاء، تجلب الانتباه إليها لبرهة… وبعد أن يتبين لموجهي ومستغلي ضجيجها أنها مجرد ضوضاء، تخفت وتخمد…

أسماء كثيرة سوقت نفسها في الفضاءات الإعلامية، الغربية أساسا، وجدت كما لو أنها “المنقذة من الظلال”… اعتصرتها، قوى معادية أو مرتابة أو محتاطة من المغرب… فلم تغنم منها قطرة مفيدة لها، فرمتها إلى مستودع المتلاشيات…

من فرنسا، وخلال السنوات القليلة الماضية سمع ضد المغرب ضجيج، أصحابه، العسكري السابق، الرياضي السابق، التلفزي السابق… وغيرهم ممن كانت لهم سوابق في التمتع بحقوقهم، من عطاءات المغرب، من حرياته، من فرص الارتواء من منافعه… تضخمت لديهم أنانياتهم واتسعت طموحاتهم… تحولوا إلى معارضين “أشداء”، بفضل “المؤازرة” الإعلامية “الدولية” لهم… قبل أن يفضحوا بعضهم البعض، بالملاسنات بينهم التي كشفت تعامل بعضهم مع مخابرات أجنبية وأوضحت خيبات بعضهم من بعضهم والخذلان المتبادل بينهم… هم، في أغلبهم، مجرد طموحات أنانية، وجهت بوعيهم، أو حتى بدونه، ضد وطنهم… مثل فقاعات، انتفخت، وحلقت ولمعت لبرهة وما لبثت أن انفجرت… دون أن ينال رذاذها من المغرب.

وهنا في المغرب، وجد من ذهب بعيدا في نفي الوقائع واختلاق دولة يخترقها بوليس سياسي ويمتص كل نفس ديمقراطي فيها ويقضم كل مقوم قانوني فيها.

هب أننا في هذا المغرب، مواجهون بسلطة “بوليس سياسي”، سري، مرعب، لا يرعوي أمام أية سلطة أخرى… عصابة منظمة ذات وظيفة إجرامية… حسب ما تخيله وأفادنا به السيد معطي منجب، بعيد إطلاق سراحه، مؤقتا، في انتظار تواصل محاكمته في قضية حق عام لها صلة بمداولته أموال يتوصل بها… هب أن ما قاله صحيح… هل ذلك “البوليس السياسي”، المشتغل خارج القانون والشرس، لن تكون له ردة الفعل، المتناسبة مع “وحشيته” ومع مروقه عن الانضباط للقوانين… ليخرس الصوت الذي “فضحه” وكشف وجوده… حمدا لله أن السيد معطي منجب الذي كشف هذا الوحش السري، في بيته مع أسرته، سالما و “غانما” ومتمتعا بالصحة والعافية التي مكنته -ولو بعد “إضراب عن الطعام”- من القدرة على الإدلاء بتلك التصريحات النارية، العارية من السياسة، كما لو أنه يشعر “بحماية” دولة أجنبية… حمدا لله أن ذلك “البوليس السياسي” موجود، فعلا ومتحرك، فقط في خيال السيد منجب.

أليس هو المشتغل بالتأريخ؟ طيب… “البوليس” المغربي اكتسب في السنوات الأخيرة، مع اندماجه في موجهات المشروع الحداثي والإصلاحي الذي يقوده الملك محمد السادس… اكتسب حسا “تاريخيا” وبحدة، بحيث أضحى يدمج، في كل عملية أمنية، يقوم بها، “مؤرخا” لها، بالصورة وبالبلاغ عنها… كل عملية متعلقة بالإرهاب أو بالمخدرات أو بالاتجار بالبشر أو بالتدوير المشبوه للأموال… وفي كل تلك البلاغات لازمة قانونية… “تحت إشراف النيابة العامة المختصة”… العصابات الإرهابية التي تهدد أمن البلاد… تواجهها الأجهزة الأمنية، بكل الاحتياطات القانونية المتعارف عليها ديمقراطيا… رغم خطورة تلك العصابات، وتنكرها، العقدي، لكل الحقوق الديمقراطية وحتى الانسانية… متى كان “البوليس السياسي”، السري والخارج عن القانون، كما عرف عنه في تجارب عالمية، وحتى في المغرب “سنوات الجمر والرصاص”، يهتم أو يبالي بالقوانين أو بالسلطة القضائية أو بالرأي العام ليوضحه حقيقة عملياته…

السيد منجب يخضع لمحاكمة… لن تدينه بالضرورة، بل قد تبرؤه، إذا أقنعها دفاعه… وهي محاكمة من صميم آليات ومتطلبات “دولة الحق والقانون”… الدولة التي تطالب بها الحركات الديمقراطية والحقوقية، والتي يمضي المغرب في اتجاه تكريسها دولة ديمقراطية، في هذا المسار الإصلاحي والتحديثي الذي يقوده الملك محمد السادس… ومعه الفعاليات الوطنية والديمقراطية، بحماس وبلا تسرع، بهدوء، وتدرج وتبصر… يحشد لها أوسع القوى لحملها ويرسخ الوعي بها باعتبارها منتوج نسج تاريخي لتحول نوعي في البلاد، لا رقي ممكن ولا خلاص إلا به وهو “دمقرطة المجتمع ودمقرطة الدولة”.

“دولة الحق والقانون”، هي قيد الإنشاء والتشكل تعبر اختبارها، سياسيا واجتماعيا… وهي أيضا تنمي مناعتها، ضد الاختراقات الممكنة لها والتوظيفات المحرفة لها، لمصالح انتفاعية فردية أو جماعية، أو لمؤامرات مشتركة الدوافع ما بين الخارج والداخل… الشعارات سهلة القول والصدع، وحقنها بالحياة في الواقع يجعلها عسيرة الهضم… مثل حالة السيد منجب حين وصله مفعول “دوله الحق والقانون” إلى تفاصيل ممارساته من أجل توضيحها والاطمئنان على قانونيتها… تنكر لها وهو الذي لا يمل من بالمطالبة بها… تنكر لها إلى حد أنه بدا كما لو أنه يحن اليوم إلى دولة “البوليس السياسي”… كأنه يستدعي وجودها… لأنها الدولة التي لا يوجهها لا دستور ولا قانون… دولة هي مركب عصابات سياسية، اقتصادية، أمنية، ومالية… تتبادل الحمايات بينها والمنافع… وتتغاضى عن بعضها البعض في الاغتناء من أموال الداخل والخارج، خاصة إذا كان ذلك بتغطيات… دينية، سياسية، الثقافية أوالحقوقية… إنها ليست دولة المغرب، اليوم… دولة المغرب التي نعرف ونعيشها، أنهت مع كل تلك الممارسات والفضاءات السرية، دولة مغرب اليوم، تعي مشكلاتها ومعيقاتها قبل غيرهاـ وتقوم ذاتيا أخطائها وتكشف وتعزل المفسد فيها والمخطئ… ولماذا نذهب بعيدا… الأجهزة الأمنية نفسها هي أول من “يفضح” عناصرها الذين يقعون في ممارسات خارج القانون… توقفهم في حالة مخالفات إدارية… وتولي أمرهم النيابة العامة في حالة تجاوزات قانونية… هذه الحالات كثيرة ومتوفرة للباحثين وللمؤرخين الجديين.

خذ لك شهادة خارجية في هذا السياق… تقرير الخارجية الأمريكية حول حقوق الانسان في المغرب استمد مضمونه، وبنسبة ثلاثة الأرباع، من تقارير المديرية العامة للأمن الوطني، من رئاسة النيابة العامة ومن المندوبية العامة لإدارة السجون… تقاريرها التي فصلت فيما توصلت إليه تجاوزات وخروقات، وما توصلت به من شكايات… وكشفت معطيات حول المتابعات التي قامت بها وأسفرت عن عقوبات لزجر وردع المخالفات والتجاوزات للقوانين ولحقوق المواطنين… تلك المؤسسات الوطنية هي أول من تعمل النظر الحقوقي في ممارساتها… وهي أول من يسعى إلى تقويم ذاتها… وتقرير الخارجية الأمريكية شهادة ديبلوماسية، قوية، على الهاجس القانوني المتحكم في أجهزة إنفاذ القانون… وليس في التقرير ما يشير أو يلمح إلى وجود جهاز أمني سري متغول ضد الوطن وضد المواطنين وضد الدولة وضد الديمقراطية…

هل بقي ما يمكن التوسع فيه في هذا المجال… بقي الكثير… لأن المسار الديمقراطي ينتج ثقافته… تلك الداعمة لها والمحركة له… وتلك الأخرى التي تضيق به وترتاب منه… والديمقراطية تنمو مع استعمالها ومع تداولها ومع التفكير فيها ومع تقويمها المستمر…