رأي

نوفل البعمري: قرار المحكمة العليا بنيوزيلاندا.. انتصار للسيادة المغربية على الصحراء وإسقاط تمثيلية "البوليساريو" للصحراويين

بتاريخ 15 مارس 2021، أصدرت المحكمة العليا بأوكلاند/نيوزيلاندا قرارا قضائيا مهما في الطعن الذي تقدمت به بعض العناصر الممولة من تنظيم البوليساريو للنظر في شرعية استثمارات الصندوق الوطني للتقاعد النيوزيلاندي، الذي يُعتبر من الصناديق السيادية الملتزمة بـ"مبادئ سانتياغو"، التي تُؤطر الإجراءات والمعايير الموحدة التي تحكم وتنظم عمل وأهداف هذه الصناديق من قبيل الشفافية والحكامة، من خلال بعض الشركات التي تستورد الفوسفاط المستخرج من الأقاليم الجنوبية الصحراوية، في محاولة لجر القضاء النيوزيلاندي للقول بعدم قانونية الاتفاقيات التي أبرمها صندوق التقاعد النيوزيلاندي مع المغرب تهم استثمارات مهمة تتعلق باستيراد الفوسفاط المغربي من الأقاليم الجنوبية الصحراوية...

وقد قضت المحكمة في هذا الحكم برفض الطعن الذي تم وضعه أمامها في 5 مارس 2021، وهو حكم ينضاف إلى سلسلة الاجتهادات القضائية الأوروبية، التي أصبحت تنتصر للقانون الدولي ولتفسيراته القانونية البعيدة عن التعاطي السياسي مع هذه القضايا على اعتبار أن القضاء الأوروبي عموما والنيوزيلاندي خصوصا ليس معنيا بالنزاع المفتعل حول الصحراء في شقه السياسي، ويأخذ قضاءه مسافة قانونية من المباحثات ومن مسار الملف السياسي ككل الذي يتم معالجته داخل أروقة الأمم المتحدة، خاصة على مستوى مجلس الأمن، من خلال القرارات التي يصدرها كل أبريل سابقا، وأكتوبر حاليا، بعد أن تغيّرت جدولته الزمنية بموجب القرار 2548 الصادر في أكتوبر 2020، والذي مدد مهمة المينورسو لمدة سنة.

وقبل التطرق إلى حيثيات قرار المحكمة العليا بنيوزيلاندا، لابد من الإشارة إلى الحكم السابق الصادر من طرف محكمة العدل الأوروبية، التي قضت بعدم قبول الطعن الذي تقدم به تنظيم البوليساريو لمحاولة إبطال الاتفاقيات التي أبرمها الاتحاد الأوروبي مع المغرب التي تهم مجالات لصيد البحري والمنتجات البحرية، والمبادلات الفلاحية حيث اعتبرت هذه المحكمة أن تنظيم جبهة البوليساريو "لا صفة قانونية" له لتمثيل السكان الصحراويين أمام القضاء الأوروبي اعتبارا لكون البوليساريو كتنظيم هو طرف سياسي إلى جانب أطراف سياسية أخرى في المباحثات والمسار السياسي للنزاع، ولا يمكن أن تنسحب هذه "الصفة" السياسية إلى صفة قانونية، مما جعل المحاكم الأوروبية في مختلف قراراتها الصادرة عنها تقضي بعدم قبول الدعاوي التي تقيمها البوليساريو أمام قضائها، وهي قرارات تؤكد أن تنظيم البوليساريو، أولا، لا صفة له لتمثيل السكان الصحراويين على المستوى السياسي، كما ظل المغرب يُرافع بهذا الشأن أمام الأمم المتحدة، على اعتبار أن السكان الصحراويين لديهم منتخبوهم، الذين ينتخبونهم ديمقراطيا، وكانوا جزءا من الوفد الرسمي المغربي الذي شارك في مباحثات جنيف 1 وجنيف 2، ثانيا، وبموجب هذه القرارات اليوم، فقد أُسقطت عنه الصفة القانونية لتمثيل السكان الصحراويين المحتجزين والمقيمين بالمخيمات، مما يجعل شعار البوليساريو "الممثل الوحيد والشرعي للشعب الصحراوي" شعار مهزوز ومتهافت تم، بحكم المحاكم الأوروبية، إسقاطه سياسيا وقانونيا، ولم يعد له معنى ولا جدوى، بل أصبح هذا التنظيم، بهذا الشكل، عبئا على السكان الصحراويين وثقلا على المسار السياسي لللنزاع المفتعل حول الصحراء.

وبالعودة إلى حكم المحكمة العليا بنيوزيلاندا الذي صدر بتاريخ 15 مارس 2021، والذي يتضمن 28 صفحة، فقد استند في حيثياته على عنصرين قانونيين مهمين، سنعمل على تقديمهما، ثم تقديم مختلف أبعادهما تباعا نظرا لقوتهما وقوة هذا الحكم.

1- حُكْم المحكمة العليا النيوزيلاندي رَفضَ دعوى البوليساريو بعلة أن "عمليات مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط تتوافق مع رغبات السكان في الأقاليم الجنوبية وتفيدهم كما هو مطلوب بموجب ميثاق الأمم المتحدة"، وأضاف الحكم، في ذات النقطة القانونية المتعلقة بتوافق هذه العمليات مع القانون الدولي ولوائح الأمم المتحدة، أنها "متوافقة تماماً مع المتطلبات القانونية والأخلاقية التي يفرضها القانون النيوزلندي ومبادئ الأمم المتحدة للاستثمار المسؤول، فضلاً عن التزامها القانوني بضمان الحفاظ على سمعة نيوزيلندا"..

هذه الحيثية القانونية المتكاملة تؤكد، من جهة، أن العمليات التي تقوم بها مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط خاصة منها التجارية مع نيوزيلندا ثم أيضا مع مختلف دول العالم هي عمليات تجارية متلائمة وموائمة للقانون الدولي الذي ينص على ضرورة أن تكون عائدات ومداخيل هذه المبادلات التجارية التي تتعلق بالأقاليم التي لها نفس وضع الأقاليم الصحراوية الجنوبية المغربية باعتبارها إقليما غير متمتع بالحكم الذاتي كما حددتها لوائح الأمم المتحدة، فمن حق الدول التي لها الإدارة السياسية والإدارية على هذه الأقاليم أن تدير كل ما يتعلق بالجانب الاقتصادي والاجتماعي والتنموي بشرط أن تستفيد المنطقة وسكانها من عائدات هذه المبادلات التجارية، وهو ما أكده هذا الحكم بموجب هذا التعليل، ويمكن العودة هنا إلى موقف شركة "بلانص"، في تصريح إعلامي، وهي واحدة من الشركات التي تستورد الفوسفاط من المغرب، إذ أشارت بوضوح إلى أن "استخراج الفوسفاط من الصحراء من قبل شركة فوسبوكراع يتوافق تماما مع القوانين الدولية والوطنية، بما في ذلك أحكام الأمم المتحدة للتجارة مع الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي"، مقدما معطى جد مهم عزز به قانونية عمليات تصدير الفوسفاط المغربي عن طريق شركة فوسبوكراع، التابعة لمجموعة المكتب الشريف للفوسفاط، وهو أن "75٪ من العاملين بمجموعة المكتب الشريف للفوسفاط هم من أبناء السكان المحليين"، كما أبرزت الجمعية النيوزلاندية للأسمدة، في مذكراتها الدفاعية باعتبارها طرفا في هذه الدعوى، أنها "قامت بعدة زيارات إلى المناطق الجنوبية، واطّلعت باستمرار على ظروف استفادة سكان الأقاليم الجنوبية وانتفاعهم من هذه العلاقة التجارية القوية والفريدة بين المغرب والفلاحين النيوزيلانديين". كما أنها عبرت عن قناعتها بأن "عمليات استغلال مادة الفوسفاط، المادة ذات الطابع الحيوي في الأنشطة الفلاحية، تقام حسب أعلى المعايير الدولية للجودة والحكامة وحقوق اليد العاملة"، مؤكدة كذلك أن "مداخيل هذه التجارة تساهم بشكل إيجابي في التنمية المحلية، وتعود بالنفع على سكان المنطقة، إذ إنها تعتبر مصدر تشغيل لأبناء الصحراء ومورد أساسي للاستثمارات التنموية بالمنطقة في المجال الاقتصادي والاجتماعي"...

هذه المرافعة، بهذه الحيثية، شكلت دعما كبيرا لوجهة النظر القانونية التي تؤكد شرعية الاستثمارات التي تكون فيها مجموعة المكتب الشريف للفوسفاظ طرفا فيها، وهي حيثية تنسحب على كل المعاملات والمبادلات التجارية التي تكون الأقاليم الصحراوية طرفا فيها.

2- في الحيثية الثانية المهمة جدا، بدورها، فقد ذهب الحكم إلى ضرورة الفصل ما بين الشق السياسي والشق القانوني/القضائي، وأن القضاء النيوزيلاندي، كما سبق للقضاء الأوروبي عموما، ذهب في اتجاه تأكيد هذا الفصل بين المسارين، وأن القضاء النيوزيلاندي "لا اختصاص له للفصل في نزاع ذي طبيعة جيوسياسية"، و"لا في وضعية المنطقة"، وبهذا المعنى الذي قدمته المحكمة في تعليلها، فإنها لا يمكن لها ولا للقضاء النيوزيلاندي عموما أن يستند، وهو يفصل في هكذا قضايا معروضة أمامه، على مسار سياسي للحكم وفق المطالب التي قدمتها البوليساريو، التي استندت في مذكرة طعنها في الاتفاقيات التي أبرمها صندوق التقاعد النيوزيلاندي على ما هو سياسي وهو ما رفضه القضاء النيوزيلاندي، مؤكدا بذلك أن اللجوء للقضاء النيوزيلاندي لأغراض سياسوية مبيّتة تريد خلق أزمة بين المغرب ونيوزيلندا يُعتبر خطوة يائسة، وفاشلة، وغير مقبولة للتلاعب بالقانون الوطني والدولي، وبالقضاء النيوزيلاندي، الذي يُعتبر غير متساهل في تطبيق القانون سواء الدولي أو الوطني، وهو ما أظهر زيف الادعاءات السياسية لخصوم المغرب المغلفة بالقانون للتحايل على المؤسسة القضائية النيوزيلاندية، وأبانت عن مدى وعي هذه الأخيرة بأن هذا النوع من التلاعب بالقانون لأغراض سياسية لا مكان له في الدول التي تولي أولوية قصوى لسيادة القانون، ولا في قضائها على عكس قضاء بعض الدول الذي خضع لتأثيرات وقراءات سياسية كالتي حدثت سنة 2017 عندما قامت جنوب إفريقيا في إجراء غير قانوني بحجز باخرة نيوزيلندية وقدمت حكما سياسيا بحجزها مستندا على المعطيات السياسية وليست القانونية خاصة منها القانون الدولي، مما يجعل من حكم المحكمة العليا النيوزيلاندية ردا قانونيا على القضاء الجنوب الإفريقي الغير المستقل والمُتحكم فيه من طرف اللوبي المناهض للوحدة الوطنية، وهو ما أسقطها في تقديم حكم قضائي مسيس تم تجاوزه من طرف محكمة العدل الأوروبية، ثم من طرف المحكمة العليا بنيوزيلاندا.

إذن فحكم المحكمة العليا أوكلاند بنيوزيلاندا كانت واضحة هنا من حيث فصلها بين الشقين السياسي والقانوني، وهو وضوح فيه رد قضائي على محاولة استغلال النزاع في جانبه السياسي لوقف الاستثمارات التي تشهدها المنطقة والمبادلات التجارية المتعددة، سواء منها البحرية أو الفلاحية التي تساهم في تنمية المنطقة، خاصة مع تخصيص عائدات هذه الاتفاقيات للسكان الصحراويين المحليين، الذين باتوا يستفيدون منها، وهو ما أكده تقرير اللجنة البرلمانية الأوروبية التي تم إيفادها إلى المنطقة قبيل تجديد اتفاقية الصيد البحري مع المغرب، التي انتهت لما انتهى إليه حكم المحكمة العليا بأوكلاند/نيوزيلندا وتم الاستناد إليه لتجديد اتفاقية التبادل التجاري البحري والفلاحي بين المغرب وأوروبا.

على سبيل الختام

تجدر الإشارة، في الختام، إلى أن المغرب لم يكن طرفا في هذا النزاع القضائي، بمعنى كيفما كان الحكم فإنه لن يكون مؤثرا على المغرب ولا على المنطقة، ورغم ذلك فإن منطوق الحكم يُعتبر حكما قويا ينضاف لسلسة الاجتهادات القضائية الأوروبية، التي أسقطت من جهة الصفة القانونية لتنظيم جبهة البوليساريو، وأسقطت معها، من جهة ثانية، مقولة "الممثل الوحيد والشرعي للشعب الصحراوي"، وقدمت، من جهة ثالثة، مرجعا قانونيا وقضائيا يساعد المغرب في ترافعه أمام مختلف المؤسسات الدولية، ويعزز من فرص تنويع وتقوية المبادلات التجارية الدولية مع المغرب والتي ستكون المنطقة موضوعا لها.

الحكم يُعتبر صفعة قوية قانونية وقضائية صادرة من أنزه المؤسسات القضائية المعروفة بصرامتها في تطبيق القانون الدولي والوطني وفي شفافيته، خاصة وأنه ضمن مجموعة الكومونولث التي تتشارك معه في منظومة قضائية تسمح لمحاكم هذه الدول الأعضاء من استلهام أحكامها من مواقف دولة عضو أخرى في المجموعة، مما يشير إلى كون هذا الحكم لن يكون له أثر قانوني فقط داخل نيوزيلندا بل سيمتد لهذه المجموعة القوية التي تتشكل من حوالي 52 دولة على رأسها المملكة المتحدة البريطانية التي بمجرد ما دخل اتفاق البريكست حيز التنفيذ حتى عمدت إلى توقيع اتفاقيات تجارية مع المغرب تشمل الأقاليم الصحراوية الجنوبية، وهو ما أعطى لهذا الحكم قوة كبيرة وجعل جبهة البوليساريو تُمنى بهزيمة قضائية تنضاف لسلسلة الهزائم السياسية، خاصة وأن المحكمة النيوزيلاندية أجهضت مختلف الحجج الواهية التي يروج لها خصوم المغرب من أجل محاولة إعاقة المسار الناجح للتنمية الاقتصادية ذات البعد الاجتماعي في الأقاليم الصحراوية الجنوبية.

*محام وباحث في ملف الصحراء