قضايا

في يومها العالمي: المغرب قطع أشواطا كبرى في قضية المرأة

خليل البكراوي

أياما قليلة تفصل المغرب ومعه العالم عن تخليد اليوم العالمي للمرأة الذي يصادف الثامن من مارس كل سنة، الذي تم إقراره كيوم للاحتفال والاحتفاء أيضا بالمرأة وبإنجازاتها سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا في المجتمع من طرف الأمم المتحدة بتنسيق مع منظمات نسوية تحررية، وذلك بعد مخاض طويل وعسير في تاريخ حركات الكفاح النسوي.

ولعل من بين السياقات التاريخية عالميا(..) التي أفرزت لنا هذا اليوم الاحتفالي بالمرأة، نجد سياقات تميزت بالعنف والاضطهاد الممارس ضدها، سواء في المعامل الصناعية أو الحقول الفلاحية، وفي المؤسسة الأسرية كذلك سواء كامرأة أولا، وزوجة ثانيا، كما أنها كانت مجردة من كل حقوقها في المشاركة السياسية، ولو عبر الاقتراع.

وأمام هذا الحيف والظلم والعنف ضد المرأة والانتقاص منها، ظهرت حركات نسوية تحررية موازية للمد الشيوعي آنذاك، حيث انتفضت ضد العقلية الذكورية، وطالبت بتحسين وضعية المرأة اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا، وأن ترد الاعتبار إلى كرامتها التي كانت مهضومة.

وطبعا المرأة المغربية لم تكن خارج هذا السياق السالف الذكر، بل حتى هي كانت تعاني من الظلم والاضطهاد من طرف الأسرة قبل المجتمع، ولا زالت تعاني من هذا الأمر، ولو بحدة أقل مما كان الوضع عليه قبل القرن 21 بسبب التقدم والتطور  الذي حصل(...).

هذا التطور الإيجابي للمرأة المغربية على مستوى التمتع بحقوقها(..)، راجع بالأساس إلى رغبتها القوية في التحرر والانعتاق من رواسب تخلف الجاهلية وعقلية المجتمع الذكورية، وقامت بفرض ذاتها إلى جانب أخيها الرجل ندا للند بدءً من المجال السياسي مرورا بالمجالين الاجتماعي والاقتصادي وانتهاءً بالمجال الثقافي(..)، بل وتفوقت عليه في آحايين كثيرة.

هذا التفوق الذي يحتسب للمرأة ليس من فراغ، بل يعود أساسا إلى طابع الالتزام والجدية والصرامة في العمل والدقة في المواعيد، على عكس بعض الرجال سامحهم الله، كلهم خمول ووهن، يقضون اليوم كله في تمديد أرجلهم بالمقاهي، ويريدون مصاريف الحياة الزوجية على حسابها(..)، وإذا امتنعت عن ذلك؛ أشبعوها ضربا وركلا، وقالوا فيها ما لم يقله بن مالك في الخمر، وقسم قضايا الأسرة بالمحاكم المغربية مليء حد التخمة بهذا النوع من القضايا، فالبعض منها يكتب له الصلح، والبعض الآخر يكتب له الطلاق، حتى وإن كان أبغض الحلال عند الله، نظرا لتبعاته النفسية والاجتماعية السيئة.

ومغرب اليوم لم يعد يقبل أبدا أن تُهان فيه كرامة المرأة، بل يريد امرأة حرة شريفة مواطنة فاعلة في مجتمعها ومعتزة بمغربيتها حد الكبرياء، وتساهم إلى جانب أخيها الرجل في البناء، والقطع مع كل الممارسات البائدة التى تعود إلى زمن ولّى(..).

والمغرب بدوره كدولة قانون ومؤسسات قطع أشواطا كبرى في قضية المرأة بسن قوانين متقدمة وحداثية تعلي من شأن المرأة وقيمتها في المجتمع، على عكس باقي دول الجوار التي نتقاسم معها اللغة والدين والتاريخ المشترك، ولا زالت تروٍّج لبعض المهن التي تقلدتها المرأة حديثا على أنها إنجازا، في حين المرأة المغربية كانت سبّاقة لذلك بزمن.!

وطبعا القطع مع كل الأصوليات الماضوية(..) التي تعمل على تشييء المرأة والحط من قيمتها، ومعاملتها كإنسان من درجة ثانية، لا يتأتّى إلا بفاعلية المرأة نفسها، والخروج من دائرة المظلومية والشكوى ولعب دور الضحية(..)، والدخول إلى دائرة استثمار الحقوق التي يمنحها القانون لها، وأن توظف ذلك في بناء ذاتها، وبناء وطنها.

إن المرأة المغربية في القرن 21، هي امرأة محظوظة جدا مقارنة مع امرأة القرن 20 أو قبله، ومع ذلك استطاعت هذه الأخيرة أن تحجز لها مكانا إلى جانب الرجل في الدفاع عن وطنها، ولعل المناضلة مليكة الفاسي خير مثال على ذلك، حيث كانت المرأة الوحيدة ضمن مجموعة من الرجال الذين عملوا توقيع عريضة وثيقة المطالبة بالاستقلال، ولعبت أدوارا طلائعية في الحركة الوطنية، بالإضافة إلى السوسيولوجية والكاتبة فاطمة المرنيسي ذات الصيت العالمي، التي دافعت بشراسة عن حق المرأة في التعليم والشغل، وغيرهن كثير من النساء المناضلات اللواتي حملن على عاتقهن بناء المغرب الحديث انطلاقا من مواقعهن، مهما اختلفت المشارب والتوجهات.