سياسة واقتصاد

مشروع قانون-إطار الحماية الاجتماعية.. المغرب يخطو خطوة غير مسبوقة

الطيب كزرار*

مع شروع لجنة المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية بمجلس المستشارين في المسطرة التشريعية للمصادقة على مشروع القانون الإطار المتعلق بالحماية الاجتماعية، يكون المغرب قد خطا خطوة غير مسبوقة لتجسيد أسس مشروع مجتمعي طموح يروم النهوض بالعدالة الاجتماعية والمجالية.

ويشكل هذا المشروع المجتمعي، الذي قدم خطوطه العريضة وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، محمد بنشعبون، الاثنين خلال اجتماع عقدته لجنة المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية بالغرفة الثانية للبرلمان، ثورة اجتماعية حقيقية، لما سيكون له من آثار مباشرة وملموسة في تحسين ظروف عيش المواطنين، وصيانة كرامة جميع المغاربة، وتحصين الفئات الهشة، لاسيما في وقت التقلبات الاقتصادية والمخاطر الصحية والطوارئ المختلفة.

ويأتي مشروع قانون الإطار المتعلق بالحماية الاجتماعية، في إطار تنفيذ التعليمات الملكية السامية الواردة في خطابي العرش وافتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية العاشرة، والقاضية بالعمل على تعميم التغطية الاجتماعية لجميع المغاربة.

ومن أجل تعزيز المكتسبات المحققة ولمواجهة التحديات التي يواجهها نظام الحماية الاجتماعية الحالي والتي تقلل من أثره (تعدد البرامج وتنوع الفاعلين وعدم وجود نظام استهداف موحد..)، فقد ارتكز مشروع القانون الإطار على محاور الإصلاح والجدولة الزمنية كما حددها الملك محمد السادس، وهي تعميم التغطية الصحية الإجبارية خلال سنتي 2021 و2022 لتشمل 22 مليون مستفيد إضافي من هذا التأمين، الذي يغطي تكاليف العلاج والأدوية والاستشفاء، وتعميم التعويضات العائلية خلال سنتي 2023 و2024، لتشمل حوالي سبعة ملايين طفل في سن التمدرس، وتوسيع قاعدة المنخرطين في أنظمة التقاعد سنة 2025 لفائدة خمسة ملايين مغربي من الساكنة النشيطة التي لا تتوفر على حق التعاقد، وتعميم الاستفادة من التعويض عن فقدان الشغل لتشمل كل شخص متوفر على شغل قار.

إن محاور هذا الإصلاح تجعل من الحماية الاجتماعية أحد مجالات التدخل الاستراتيجية وذات الأولوية، للوقاية والتقليل من مختلف أوجه الهشاشة الاجتماعية وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين.

وسيكلف تنزيل تعميم الحماية الاجتماعية بالمملكة، بحسب محمد بنشعبون، حوالي 51 مليار درهم سنويا، ويتوزع هذا الغلاف المالي على تعميم التغطية بالتأمين الاجباري عن المرض (14 مليار درهم)، وتعميم التعويضات العائلية (20 مليار درهم)، وتوسيع قاعدة المنخرطين في نظام التقاعد (16 مليار درهم)، وتعميم الولوج للتعويض عن فقدان الشغل (مليار درهم).

وأضاف الوزير أن تمويل هذا الإصلاح يعتمد على آليتين، تهم الأولى الاشتراك (28 مليار درهم) بالنسبة للأشخاص الذين تتوفر لديهم القدرة على المساهمة في تمويل التغطية الاجتماعية، فيما تقوم الثانية على التضامن (23 مليار درهم) بالنسبة للأشخاص الذين لا تتوفر لديهم القدرة على المساهمة في التمويل.

وترتكز الحماية الاجتماعية في مدلول القانون – الإطار، على أربعة محاور تتمثل في الحماية من مخاطر المرض، والحماية من المخاطر المرتبطة بالطفولة وتخويل تعويضات جزافية لفائدة الأسر التي لا تشملها هذه الحماية، والحماية من المخاطر المرتبطة بالشيخوخة، والحماية من مخاطر فقدان الشغل.

وينص مشروع القانون – الإطار على قيام السلطات العمومية بتنسيق عمل كافة المتدخلين المعنيين بتعميم الحماية الاجتماعية، وتطوير الجوانب التدبيرية وتلك المتعلقة بحكامة هيئات الضمان الاجتماعي، في أفق إحداث هيأة موحدة للتنسيق والإشراف على أنظمة الحماية الاجتماعية، فضلا عن اتخاذ جميع التدابير ذات الطابع التشريعي والمؤسساتي والمالي التي تمكن من تفعيل هذا المشروع الاجتماعي الطموح.

ويستند تعميم الحماية الاجتماعية على مبادئ تتمثل في التضامن في أبعاده الاجتماعي والترابي وبين الأجيال والبين مهني، وعدم التمييز في الولوج إلى خدمات الحماية الاجتماعية، والاستباق، والمشاركة من خلال انخراط كل المتدخلين في السياسات والاستراتيجيات والبرامج المتعلقة يالحماية الاجتماعية.

إن إدراج المبادئ والأهداف الأساسية لإصلاح منظومة الحماية الاجتماعية في قانون – إطار من شأنه أن يضمن التطبيق الأمثل والتنزيل السليم لهذا الإصلاح ويؤمن استمراريته وديمومته، علما بأن تعميم الحماية الاجتماعية وفق مدلول هذا القانون الإطار، الذي يجب أن يتم ضمن أجل أقصاه خمس سنوات، لا يحول دون استمرار تطبيق السياسات العمومية الأخرى التي تعتمدها الدولة في هذا المجال.

وسيستلزم إنجاح تعميم التغطية الاجتماعية اتخاذ تدابير قبلية ومواكبة، ويتعلق الأمر، أساسا، بمراجعة مجموعة من النصوص التشريعية المتعلقة بالحماية الاجتماعية وبالمنظومة الصحية الوطنية، فضلا عن إعادة تأهيل الوحدات الصحية وتنظيم مسارات العلاج، وإصلاح الأنظمة والبرامج الاجتماعية الموجودة حاليا للرفع من تأثيرها المباشر على المستفيدين، خاصة عبر تفعيل السجل الاجتماعي الموحد.

ومن دون شك، فإن الانخراط القوي للمؤسسة التشريعية، عبر التسريع بالمصادقة على القانون الإطار وكذا مراجعة والمصادقة على النصوص التشريعية المتعلقة بالحماية الاجتماعية وبالمنظومة الصحية الوطنية، يظل أمرا مهما حتى يتم تنزيل هذا الإصلاح المجتمعي الكبير وغير المسبوق.

(وم ع)