رأي

محمد البوكيلي: هل أصبح الاتحاد العام لمقاولات المغرب أقوى من الدستور؟

يبدو أن الاتحاد العام لمقاولات المغرب مصر على ألا يخرج من فضيحة إلا ليدخل في أخرى، ليرسخ بنجاح في ذهن المغاربة المفهوم التقليدي للباطرونا، بما ترمز له الكلمة من دلالات تحيل على التغول ومحاولة السيطرة والتطويع وفرض الأمر الواقع بقوة السلطة والمال ولو على حساب الدستور والقوانين.

مناسبة هذا التذكير هو القرار الغريب وغير الدستوري الذي اتخذته هذه الجمعية المهنية لمنع مواطنين بانتماء حزبي معلن ومعين "وبالتحديد"  من الترشح لمناصب مسؤولية محددة بالمنظمة، في ضرب لمنظومة متكاملة من الفصول الدستورية والمواد القانونية التي قطعت مع كل أشكال التمييز وعلى رأسها التمييز على أساس الانتماء السياسي أو الرأي، وفي خطوة عنوانها الخوف من منخرطين لا ذنب لهم سوى إيمانهم بالديموقراطية كأساس لفرز النخب الممثلة لهيئة المقاولين، وحتى لا نقول شيئا آخر يتعلق بانتسابهم الحزبي أو انتمائهم الجغرافي لمنطقة عزيزة  من الوطن، ما دفع  بعض المتلاعبين بمصالح الوطن لاستعمال اوصاف قدحية وتمييزية وعنصرية في حق أعضاء ومسؤولين بالاتحاد بالجهات الجنوبية للمملكة.

وإذا كان المقال لا يتسع للتذكير بتخلف هذه المنظمة المهنية عن أداء  الأدوار الوطنية المفروض النهوض بها سواء من خلال تطوير المقاولة المغربية وإيلاء العناية بالمقاولة الصغيرة والصغيرة جدا والتي تشكل اكثر من 89 بالمئة من النسيج المقاولات المغربي، أو من خلال دعم وتقديم التكوين لأكثر من 8000 مقاولة مغربية مفلسة سنويا، في مقابل تركيز المصالح لمقاولات كبيرة بعينها، فضلا عن فشلها في مواكبة انفتاح المغرب بقيادة جلالة الملك على اسواق واعدة خاصة بإفريقيا وأمريكا اللاتينية والعالم العربي، أو من خلال فشلها في تحقيق استثمارات واعدة في القطاعات غير الكلاسيكية وخاصة الصناعة الذكية والاقتصاد الرقمي واقتصاد المعرفة،فإن تعنت هذه المنظمة في غلق أبواب التنخيب والانفتاح والتعددية لفائدة حساسية سياسية معلومة، يوحي بأمر واحد هو ضرورة تحقيق تغيير شامل في قوانينها والنزعة المتعالية لبعض قادتها، خدمة للاقتصاد الوطني المنشود.

لكن الغريب في كل هذا هو نجاح هذه الجمعية المهنية في فرض ارادتها غير الدستورية ولا القانونية على أجندة الحكومة ومشاريع قوانينها، حيث لم تسلم مشاريع القوانين الانتخابية التي تقدمت بها الحكومة من فضيحة قانونية مالها الرفض من المحكمة الدستورية، تماما كما ينتظر أن يرفضها المشرع اذا حضرت النزاهة القانونية والدستورية لا المصالح الحزبية في نقاشاته وقراراته.

فمشورع القانون التنظيمي 05.21 القاضي بتغيير القانون التنظيمي 28.11 المتعلق بمجلس المستشارين حمل في طياته تعديلا غاية في الغرابة في مادته 26 ينص على منع الترشيح في هيئة المشغلين بتزكية حزب سياسي، وكأن المغاربة لا يعلمون علم اليقين الانتماء السياسي لكثير من قادة هذا الاتحاد بدء من رؤسائه السابقين ومسؤوليه الحاليين، بل وأجندته السياسية المعلومة التي جعلت من هذا التنظيم المهني ملحقة حزبية معلنة ومحفظة باسم الحزب المعلوم.

وإذا كانت أحد أهم مبادئ القاعدة القانونية هي التجرد والتعميم،فإن التشريع المغربي قد عرف قبل دستور   2011 ما عرف بظاهرة القوانين المفصلة أي على مقاس فئات أو أشخاص معينين، فإن المثير هو حدوث ذلك في ظل دستور جديد متقدم يحمل كل الضمانات لمنع ذلك.

وفي انتظار أن تتضح الصورة أكثر،فإن هذه الفضيحة القانونية والسياسية ستكون محط نقاش قوي داخل البرلمان الذي من المفروض ان ينتصر فيه الدستور وقواعده أولا وأخيرا بدل المصالح الحزبية والمقاعد  المضمونة خارج منطق المنافسة الديموقراطية النزيهة.