رأي

عبد اللطيف مجدوب: جمالية المرأة.. من الحجاب إلى الكمامة !

المرأة في الثقافة العربية

احتلت المرأة في الثقافة العربية مكانة سامقة؛ تناقلتها كل الأجناس الأدبية، بما فيها الشعر والرواية و الأقصوصة، فضلا عن كتب التراجم والتاريخ التي أولت اهتماما كبيراً لأدوارها السياسية، في دهاليز قصور السلاطين والملوك والأمراء والولاة.. افتتنوا أولا بجمالها الأنثوي ومواصفاتها كعالمة أو فقيهة محدثة، إلى جانب أدائها كشاعرة أو مغنية أو كراقصة أو مسامرة و منادمة، كما تنافسوا في امتلاكها كجارية تُقدم كهدية نفيسة فيما بين علية القوم وكبرائهم ؛ ما إن يرِد ذكر لاسم من أساميها في مجلس سمر هؤلاء إلا وتحركت رحالهم فيمن سيظفر بها تحت سلطة المال أو السلطان.

كان ظهورها بداية مكشوفة الوجه بحجاب تنسدل منه طيات على صدغيها و صدرها، وهي أبرز الملامح التي صانها الشعر العربي، وارتكز عليها في إيراده لمقاييس الفتوة وجمال المرأة؛ كحور العين والحاجب والمبسم والردفين والصدر الناهد.. كتغنيهم بالجارية "المهففة" وهي الطاوية الكشح والهيفاء الضامرة البطن الدقيقة الخصر.

على أن زمن "تعبيد" المرأة ظل سار حتى بعد مجيء الإسلام، وإن فضلها على المشركة بالإيمان {ولأمة مومنة خير من مشركة ولو أعجبتكم }. لكن لباس المرأة كان؛ عبر مدارس فقهية عديدة؛ محل تداول ونقاش، ارتكز على ضرورة ستر مفاتنها وزينتها ، تقيدا بالنصوص القرآنية ، فذهب التشدد والمغالاة ببعض الجماعات إلى اعتبار عينيها ويديها المكشوفتين عورة فأمعنوا في حرمانها من المشاهدة إلا من وراء نقاب حالك، ومن مد يدها إلا وهي في قفازة.

لكن حجابها سيسقط إلى حين وسيعرف تحديثا مع بداية القرن التاسع عشر، حيث ستلج المجتمعات العربية تحولات جذرية توافقا مع ثقافة الاستعمار التي جاء بها إلى هذه البلدان العربية؛ كان من أبرز ملامحها أنماط التعليم ونظرة الغرب إلى المرأة ولباسها و تشغيلها خارج المنزل، وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أن المرأة العربية ستعرف أول مرة سبيلها إلى التخلي عن لباسها التقليدي وتستعيض عنه بلباس عصري يجمع بين الصدرية و التنورة والحذاء الكعب والنظارات السوداء، و تزامنا مع هذه التحولات ظهرت المرأة المغربية بلباسها الحديث؛ في الإدارة والمدرسة والمعهد؛ جنبا إلى جنب مع نظيرتها الفرنسية؛ في ظل تواجد الاستعمار بالمغرب ، لكن ما إن جلت قوات هذا الأخير عن المغرب وإحرازه "الاستقلال" حتى عاودته قوات ظلامية، سارعت إلى مسح أو مسخ كل ذي صلة بالوجود الأجنبي "الكافر"، امتدت أيديها الآثمة إلى تخريب الأدوات اللوجيستيكية و معالم التعليم الفرنسي و الإسباني؛ من أدوات وعتاد ووثائق، وأوثقوا حبالهم بحرية المرأة فأجبروها على العودة إلى ارتداء الجلباب واللثام، وامتهان التعليم في مؤسسات "مدرسة البنات" ثم "مدرسة البنين" وأخيرا" مدرسة مختلطة للبنين والبنات".

الثورة الخمينية وحرية المرأة

كانت لهذه الثورة سنة 1979 أبعادا خطيرة على النسيج الاجتماعي امتدت آثارها؛ عبر بعض التيارات السلفية و الشيعية؛ إلى العديد من الدول العربية، وكانت المرأة أبرز محطاتها المستهدفة، فضربوا عليها خناقا سلبها الكثير من حرياتها في الملبس و المعاشرة والتواصل، وكان ظهورها في المجتمع آنئذ لافتا، حيث أُجبرت على ارتداء الخمار وأغطية الرأس والوجه بأشكال و مقاييس اختلفت من منطقة إلى أخرى، منها على سبيل المثال : الخمار لدول الخليج؛ العِجار للجزائر؛ الفوْحة لليمن؛ اللثام لبعض دول الخليج؛ الهبرية والبرقع لبعض دول الخليج وشمال إفريقيا؛ والحايك لموريطانيا والمغرب ؛ والحجاب لمعظم الشعوب العربية؛ والخبْية للسعودية (لا يُرى من المرأة سوى العينين.)

الجدل الذي رافق حجاب المرأة المغربية

يمكن القول بأن تيارات إسلامية متشددة كان لتوغلها في النسيج الاجتماعي آثارها الملحوظة؛ ألقت بظلالها على أنماط التربية الأسرية، وولدت نظرة متحجرة إلى المرأة، فحصرت وظيفتها في الإنجاب و"خدمة" الزوج وطاعته، كما أجبرتها على ارتداء الزي الذي يرضي بعلها، و يتماشى مع هواه وأفكاره المشبوهة عن المرأة، هذه النظرة ما زالت راسخة في مخيال المجتمع؛ تحتم على "الشاب" المقبل على الزواج؛ و تحاشيا لكل الشبهات؛ أن ينتقي "الشابة المتحجبة و المصونة" أو الفتاة بغطاء الرأس (الفولار). وقد عانت المرأة/الفتاة الأمرين جراء ارتدائها الحجاب أو من عدمه، سيما بعد أن أُوصِدت في وجهها بعض الآفاق الوظيفية، خارج المغرب والتي تقضي بتجردها من غطاء الرأس وإذعانها لبروتوكولات الشركة أو المؤسسة أو المحلات التجارية.

الحجاب لم يكن يوما دليلاً على العفة

يشهد واقعنا الاجتماعي المغربي مفارقات غريبة في الزي واللباس والتمظهر بمظهر الإسلام الداعي إلى الطهر والتعفف، فنجد ظاهرة الجبة باللباس الرياضي وإسدال اللحية على غرار الزي الأفغاني؛ تعيش جنبا إلى جنب مع الجلباب المغربي، وإلى هذا توجد المرأة مكشوفة الرأس إلى جوار أخرى بالفولار والبنطلون الضيق، علاوة على وجود تيار نسوي متحرر بعض الشيء غير مقيد في لباسه لا بالتقاليد ولا بالأعراف ولا بنظرة المجتمع إلى المرأة.

بعضهن يتذرعن بالزي المودرن الذي عليه معظم النساء والشابات، والبعض الآخر يتمسك بغطاء الرأس و البنطلون، كزي وسط بين الكلاسيكي والعصري (مودرن)، بينما نجد شريحة أخرى من النساء تميل إلى غطاء الرأس كحل يعفيها من زيارة الكوافور بين الحين والآخر، وانتقاء تسريحة الشعر، خاصة إذا تقدم بهن العمر، فظهور الشيب في شعر المرأة "توأمٌ" لكبرها، وإن صار يوما "تقليعة جديدة" وسط نساء شابات..

بيد أن اللافت في كل هذه المظاهر من الأزياء والألوان أنها لم تكن يوماً شاهدا على عفة المرأة وطهرها واستقامتها.. ، حتى ولو كانت متحجبة بالبرقع من أم رأسها إلى أخمص قدميها، فقد أكدت الملاحظة الأمبريقية (المعاينة العلمية الدقيقة) أن نساء عديدات يمارسن البغاء خلف هذه "الأقنعة"، فكم من امرأة أو فتاة تُقلع من حيها بالرداء الأسود لتتجرد منه بمجرد أن تستقل سيارة أجرة لتتبرج بشكل ملفت للنظر، وكم من امرأة/فتاة مكشوفة الرأس ما زالت تحتفظ بقسط من العفة والاستقامة؛ كانت في الإدارة أو السوق أو المتجر، فالأزياء والأقنعة لم تكن يوماً معيارا على توزيع النعوت والصفات؛ هذه "بتول طاهرة"، أو هذه "متبرجة فاجرة".

غطاء الرأس و الكمامة (الوقائية)

من أبرز الظواهر التي أفرزها الوباء كوفيد-19 في أوساط النساء مَقْتهن للكمامة ونفورهن منها، ويكاد الجانب الصحي الوقائي لديهن غائبا بالمطلق إذا استثنينا حالات جد خاصة خلال مزاولتهن لعملهن خارج المنزل، يتأففن من ارتداء الكمامة ويرون فيها حاجبا لمعالم زينتهن وجمالهن ، وعودة ؛ بشكل غير مباشر؛ إلى زمن اللثام وحجب وجه المرأة، كما أن عينات منهن لا يجدن غضاضة في التخلي عن الكمامة تحت ذرائع "صحية" ؛ كخنق جهاز التنفس في حالات الحيض أو مزاولة عمل يدوي شاق أو خلال الأسفار، أما ذوات البرقع والخمار فيرون في كسائهن الأسود واجهة كافية تكن الاحترام للجميع؛ للشارع والمجتمع و كورونا..!

* باحث