رأي

عبد الله بوشطارت: الرعي الجامح.. القرح الطافح

تشريع محدود لظاهرة معقدة:

منذ الحديث عن المصادقة على القانون 113-13 المتعلق بالترحال الرعوي وتهيئة وتدبير المجالات الرعوية والمراعي الغابوية بتاريخ 27 ابريل 2016، والذي اقترحته وزارة الفلاحة والصيد البحري والمياه والغابات والتنمية القروية، خضنا نقاشات ساخنة على مضامين هذا القانون، منذ أن كان مشروعا، وحاولنا تبيان نواقصه ومحدوديته، بالتحليل والكتابة والمواكبة، وذلك للتأثير على البرلمان والحكومة من أجل الانتباه إلى أن الظاهرة معقدة وتحتاج إلى فهم عميق قبل التفكير في التشريع والقوننة. لكن للأسف اتهمنا باتهامات كثيرة، وتعامل بعض مهندسي وزارة الفلاحة في مديرية المراعي مع خطابنا  باستعلاء كبير، وهو الخطاب الذي يتأسس على ضرورة استحضار المعارف الأمازيغية و منظومتها القانونية في تدبير قضية الرعي. ولكن نبهنا إلى أن التشريعات التي تخرج من مكاتب مكيفة بالرباط لا يمكن أن تحل جميع المشاكل المعقدة مثل الترحال الرعوي التي يمتزج فيها التاريخ  والثقافة والتنافس على خلق الثروة، والحرية والخصوصية والاثنية وصراع على الأرض والمجال، ثم احتوت ظواهر مستحدثة في السنوات الأخيرة مثل التهريب وتبييض أموال المخدرات وامتدادات قضية الصحراء، والقضية الأمازيغية. ... الخ. وفي نقاش سابق مع مدير المراعي أكدت له أن مصير القانون هو الفشل الحتمي، وحينما سأل عن السبب، قلت له. انه بسيط للغاية هو أن واضعي القانون ليسوا رعاة، اور گين إمكساون، عكس قوانين الرعي الأمازيغية فالذين وضعوها فهم رعاة ورحل ومستقرون ولهم دراية كبيرة بالظاهرة والمشاكل التي تواجهها كما كانت لهم دراية كبيرة جدا بالمجال.

اليوم بعد مرور سنوات على المصادقة على القانون، لا يمكن أن نعيد نفس الكلام كل مرة، وكل سنة وخلال بداية فصل الربيع من كل سنة. فما تعيشه مناطق آيت باعمران طيلة الأسابيع الماضية ينذر بكارثة اجتماعية خطيرة، تلوح في الأفق القريب. فأغلب الساكنة في آيت باعمران وازاغار تزنبت والاطلس الصغير، لم تعد قادرة على حرث اراضيها بالرغم من الأمطار المهمة التي تساقطت هذه السنة، فاغلب الناس رفضوا الحرث لسبب وحيد هو خوفهم من الرعاة الذين يأتون على الأخضر واليابس، ويفسدون الحقول المحروثة والأشجار المغروسة، والبساتين الصغيرة التي توجد بجوانب الوادي يعول عليها اهل البوادي لزرع بعض الخضر، فالكل يذهب أدراج الرياح، لأن الرعاة يمرون بمواشيهم التي تفسد كل شيء.

لذلك، فإننا سنتحدث عن المسؤوليات، التي يتهرب منها الكثير، ويعلق مسؤولية الرعي الجامح الظالم على مِشجب رجال السلطة على المستوى المحلي. فالمسؤولية السياسية تتحملها الحكومة في شخص وزارة الفلاحة والصيد البحري والمياه والغابات والتنمية القروية التي يدبر شؤونها الوزير عزيز أخنوش منذ سنة 2007، وهو في نفس الوقت رئيس حزب التجمع الوطني للاحرار منذ 2016، وهي السنة التي أصدر فيها قانون الرعي 113_13، الذي ينص على بنود خطيرة وهي إحداث المجالات الرعوية في اراضي القبائل والغابات. وهذا ما يجعل منتخبي ومنتسبي حزب الأحرار يصمتون على تجاوزات الرعاة الذين يمارسون الجور على الناس وهلاك محاصيلهم وأشجارهم. فالمسؤولية السياسية تتحملها وزارة الفلاحة في شخص وزيرها وبالتالي الوزر يقع على حزب الأحرار، لماذا؟ لعدة اعتبارات أهمها:

 مسؤلية وزارة أم مسؤولية حزب:

- فشل تنزيل قانون الترحال الرعوي وتهيئة وتدبير المجالات الرعوية والمراعي الغابوية، 13-113، والذي صرفت فيه ميزانيات طائلة وضخمة جدا في خلق وتهيئة مجالات رعوية بدون أن تساهم في حل المشكل، مثل مراعي بوتاميت بالمعدر، وتاسريرت بتافراوت ومراعي حوض اكلميم، لذلك يتبين أن الدرسات التقنية القبلية لإعداد القانون كانت فاشلة وغير دقيقة، وليست لها رؤية استشرافية لامتدادات الظاهرة وتطوراتها المعقدة، إذن فالوزارة فشلت في تدبير مشكل الترحال الرعوي.

- تحرك الرعاة وانتقالهم بدون الترخيص الرعوي الذي نص عليه القانون، الذي يحمل خريطة ومسار تنقله منذ نقطة انطلاقه ويسلم من طرف السلطة الإقليمية التي تخبر بدورها السلطة المستقبلة بقدومه، وبالتالي فلوحظ نوع من العشوائية في تنقل وعبور الرعاة واكتضاضهم على مجالات معينة في بوادي آيت باعمران، وكلها مؤشرات فشل وزارة الفلاحة في تنزيل القانون.

- القانون خول وفق مرسوم، مهام تدبير قضايا الرعي والترحال والمشاكل الناجمة عنه، للجنة الوطنية للمراعي التي يرأسها وزير الفلاحة ومدراء مؤسسات أخرى، ثم اللجنة الجهوية للرعي التي يتراسها الوالي ومدراء ومسؤوليين ترابيين، وهي اللجان التي لم نراها تتحرك بعد كل ما يحصل منذ هطول الأمطار والبوادر الأولى التي تنذر ببداية فصل ربيع ساخن بين الرعاة والساكنة.

- صمت إدارة المياه والغابات التابعة بدورها لوزارة الفلاحة والصيد البحري... التي قامت بنزع وتحديد الهكتارات من اراضي القبائل في آيت باعمران، بالرغم من أنها تتوفر على موارد بشرية هائلة ودعائم لوجيستيكية لحماية الغابات والموارد الطبيعية التي تتذرع بها في قضية نزع الأراضي وتحديدها حيث تتشدق بحماية والمحافظة على المحيط الغابوي. كما أن القانون فصل في المراعي الغابوية وغيرها..

- صمت الوكالة الوطنية لتنمية الواحات وشجر ة ارگان، التي يرأس مجلس إدارتها وزير الفلاحة عزيز اخنوش، ويترأس الوكالة ابراهيم الحافيدي رئيس جهة سوس ماسة وعضو حزب الاحرار، وتدير الوكالة لطيفة اليعقوبي وهي أيضا عضو حزب الأحرار، واليد اليمنى للوزير أخنوش في سوس، منذ أن اشتغلت معه في رئاسة الجهة 2003/ 2007، وهي المتحكمة في الدعم العمومي للوكالة التي تنجز مشاريع كثيرة ولكن تحوم حولها تساءلات كثيرة. لماذا هذه الوكالة صامتة على هجومات الرحل على الواحات، ومجال انتشار أرگان، والجميع يلاحظ كيف تجتاح آلاف من قطعان الإبل ممتلكات الناس وأشجار أرگان وتعيث فيها فسادا..

- تعتبر جهتي سوس ماسة، وكلميم وادنون، الجهتان الأكبر والاكثر تضررا من فساد الرعاة، فمجالات التي تنتمي إلى جهتي سوس و وادنون، تستقبل كل موسم، عددا كبيرا وهائلا من الكسابة المترحلين، والرعاة الرحل، وتشهد كل سنة اصطدامات عنيفة بينهم وبين السكان العزل. ونلاحظ أن جهة سوس ماسة يترأسها الحافيدي المنتمي لحزب التجمع الوطني للأحرار لولايتين متتاليتين، ونفس الشيئ جهة كلميم وادنون تتراسها مباركة بوعيدة هي الأخرى تنتمي لنفس الحزب اي الاحرار وتشغل عضوا بالمكتب السياسي لنفس الحزب الذي يراسه وزير الفلاحة. وبالتالي لماذا هذا الحزب لم يستطع تنزيل قانون الرعي على أرض الواقع ويطبق مضامينه ويشغل مؤسساته الساهرة على تطبيقه ويفرض العقوبات الزجرية لمخالفيه من الرعاة.

 لا يمكننا فعلا  أن نطالب من حزب سياسي مواجهة ظاهرة معقدة في حجم الترحال الرعوي، ولكن مادام ان نفس الحزب يدير ويشرف على  وزارة الفلاحة منذ سنة 2007 التي تنتمي لها مديرية المراعي، ويشرف على المياه والغابات والتنمية القروية، ويترأس وكالة تنمية مناطق الواحات وشجرة أرگان، ويترأس جهة سوس ماسة، وجهة كلميم وادنون، وينظم مهرجان المراعي، وبعد كل هذا، لم يستطع الحزب العمل على تنزيل القانون، وأن ينسق مع السلطة والادارة الترابية محليا وجهويا ووطنيا لاحترام القانون، وضمان سلامة الساكنة والحفاظ على محاصيلهم الزراعية وممتلكاتهم ثم على السلم الاجتماعي.

إذا كان الحزب الذي يسيطر على وزارة الفلاحة والمياه والغابات ووكالة تنمية الواحات وشجرة أرگان، وجهتان هما سوس ووادنون، ويشرف أيضا على البرنامج الوطني للمراعي... وصرفت هذه المؤسسات ميزانيات طائلة وضخمة جدا، منها ما صرف على مشاريع كثيرة لها علاقة بالفلاحة والرعي ومهرجانات كثيرة لتثمين المنتوجات المحلية التي يزحف عليها الرعاة، من لوز وجوز وارگان وصبار وزعفران و والحناء... في كل مناطق سوس وادنون، ولم يستطيع هذا الحزب بكوادره ونخبه ومنتخبيه إيجاد مقاربة ومنهجية قانونية ومؤسساتية وتواصلية لإيجاد حل لظاهرة الترحال الرعوي، فصراحة يجب طرح أسئلة كثيرة حول الجدوى من مثل هذه الاحزاب التي تعطى لها فرص كثيرة ومتتالية لتسيير مؤسسات ووكالات ومجالس منتخبة، بالرغم من محدودية الأصوات والمقاعد المحصل عليها...

من وجهة نظري النقاش حول المسؤوليات يجب أن يبدأ من هكذا مداخل...

الرباط 13 فبراير 2021.