تحليل

القلق الإلكتروني .. عندما يصطدم العالم الافتراضي بالواقع

نجلاء الوزاني*

في زمن انتشار حسابات المؤثرين الذين يعيشون “حياة الأحلام”، أصبحت الصور المعدلة على مواقع التواصل الاجتماعي معيارا يشد انتباه المتتبعين، حيث تترك صور السفريات الرائعة، والمنازل الفخمة، والديكورات و “اللياقة البدنية المثالية” أثرا في نفوس مستخدمي الإنترنت، سواء العاديين منهم أو محترفي المنصات الاجتماعية.

وعاش العديد من مستخدمي (فيسبوك) و(انستغرام) و(سناب شات) و(تويتر)، تجربة هذا الشعور بالحزن والقلق، حيث ينتابهم الإحباط جراء تصفح “محتويات” مختلف التطبيقات.

وفي الواقع، ومن خلال التصفح المستمر لمنشورات المؤثرين الذين يذهبون في إجازة إلى الفنادق الأكثر قابلية للنشر على الـ”إنستغرام”، والتسوق كل أسبوع، وحضور الحفلات في أكثر الأماكن فخامة في المدينة، وممارسة الرياضة يوميا أو الاستمتاع بـ “وجبة الفطور” … فإننا نجازف بالوقوع في زوبعة من عدم الرضا الشخصي، الأمر الذي يجعل متابعي هذه الوسائط الاجتماعية يقللون من قيمة أنفسهم بشكل غير عادل ويحافظون على الانطباع بأنهم أقل قيمة من أولئك الذين يتمتعون بحياة “مثالية”، على الأقل كما يبدون في الصور.

وقالت ياسمين (28 سنة)، وهي مستخدمة لمواقع التواصل الاجتماعي، حيث يصل متوسط مدة اتصالها اليومي على “إنستغرام” إلى ساعتين و 37 دقيقة، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، “أشعر أحيانا بالغيرة تجاه بعض الأشخاص الذين أتابعهم على “الإنستغرام” وغالبا ما يكون لدي انطباع بأنني أعيش حياة عادية ومملة”، مضيفة أنه “في بعض الأحيان أتساءل عن وزني وجسدي الذي لا يشبه على الإطلاق الفتيات اللواتي يظهرن على قائمة المستجدات”.

ويشعر أنس أيضا بالتأثير السلبي والاكتئاب الذي يمكن أن تحدثه وسائل التواصل الاجتماعي، وأشار، الشاب البالغ من العمر 16 سنة في تصريح مماثل، إلى أنه “نظرا لأننا لا نستطيع السفر والخروج كثيرا خلال هذا الوقت بالذات، فإنني أقضي وقتا أطول من المعتاد على (الإنستغرام) و(تيك توك) للترفيه عن نفسي، لكنني أشعر بالحزن أكثر عند الاطلاع على منشورات مستخدمي هذه المنصات حيث تبدو الحياة اليومية عندهم أكثر متعة وإثارة”.

وتجدر الإشارة إلى أن هذه الإثارة على مواقع التواصل الاجتماعي لا تضر فقط متتبعيها، ولكنها قد تكون خطيرة أيضا على صانعي المحتوى أنفسهم.

ففي كثير من الأحيان، يشارك العديد من المؤثرين شعورهم بالإحباط مع متتبعيهم بشأن الضغط الذي يشعرون به جراء الدخول في قالب يطبعه الامتثال لقواعد واتجاهات وسائل التواصل الاجتماعي. هذه الأخيرة، لا تتوافق بالضرورة مع قيمهم ومعتقداتهم، ولكنها ضرورية لتحقيق شهرة أكبر من خلال “الإعجابات” والآراء والتعليقات الإيجابية.

فقد تطلب نشر صورة طبيعية دون تعديل على (إنستغرام) وقت طويلا من اليوتيوبر الفرنسية وصانعة المحتوى ماري لوبيز، والمعروفة باسم “إنجوي فونيكس”. ففي منشور بتاريخ 7 ماي الماضي، أعلنت ماري لمشتركيها البالغ عددهم خمسة ملايين أنها بدأت أخيرا في غض النظر. “يجب أن تعلموا أنه قبل بضعة أشهر، كنت أرفض نشر صورة على صفحتي لم يتم التقاطها باستخدام الكاميرا ذات العدسة الأحادية العاكسة، ولم يستغرق وقت التفكير وتعديل ألوانها ساعات. أمضيت وقتا أطول في كيفية عرض “المحتوى” على حسابي من التقاط الصورة نفسها، وكنت أرفض نشر الصور دون تعديلها على نحو متقن ” تضيف ماري لوبيز.

فبفضل تطبيقات التعديل، يمكنك بسهولة اليوم إعطاء صورة مشرقة لحياتك على شبكات التواصل الاجتماعي.

واختارت المؤثرة المغربية “زي بيوتي” التحدث عن الموضوع من خلال فيديو تحد تم إطلاقه على “الإنستغرام”، بعد إطلاق أحدث أغنية لمغني الراب المغربي “ديزي دروس” الـ”نوتا”. وحذرت متتبعيها (أكثر من مليون مشترك) من أن المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي ليست بالضرورة حقيقية وغالبا ما يتم تأليفها، من أجل جذب مستخدمي الإنترنت، وقالت “اخترت التحدث عن ادعاءات كاذبة على شبكات التواصل الاجتماعي … ما نراه ليس بالضرورة صحيحا، ولكن في بعض الأحيان نتظاهر بالسعادة على مدار 24 ساعة في اليوم لنقل مشاعر إيجابية إليك بينما في الحياة الواقعية، نحن أنفسنا نمر بصعوبات في حياتنا … لذا ابق قويا، وكن إيجابيا ولا تصدق كل ما تراه ولا تحطم معنوياتك أبدا”، تقول زينب لوني.

واضافت أنه بالطبع بين القلق والاكتئاب والإحباط … تزيد حالة من السخط تجاه وسائل التواصل الاجتماعي. ومع ذلك، توجد العديد من الحلول والسلوكيات لتجنب الانغماس في هذه الحلقة المفرغة التي تزداد كثافة أكثر فأكثر في الاتجاهات الحالية، مما يضعف احترام الذات.

وإدراكا منها لهذا الخطر، تقوم ياسمين بتصفح منصات التواصل الاجتماعي من يومين إلى ثلاثة أيام. وتقول ” أحاول اليوم أن أقضي وقتا أقل على وسائل التواصل الاجتماعي ولدي المزيد من الوقت الفعلي. أفك الربط بالفيسبوك و إنستغرام وتيك توك في عطلة نهاية أسبوع واحدة في الشهر”.

وعلى نفس المنوال، قام أكثر من 10 ملايين مستخدم للإنترنت بتنزيل تطبيق “فوريست” حتى يتمكنوا من قضاء وقت أقل على هواتفهم الذكية. تشغيل هذا التطبيق بسيط للغاية. فبمجرد شعورك بالحاجة إلى فصل نفسك عن هاتفك، تبدأ بتشغيل التطبيق لزرع بذرة تتطور حتى تصبح شجرة، بيد أنه إذا غادرت تطبيق “فورست” لتصفح جهاز الهاتف، فستموت الشجرة. إنه أمر محزن، لكنه لا يزال حلا فعالا للبعض.

وبصفة عامة، بنت شبكات التواصل الاجتماعي نجاحها على الصور المعدلة لحياة ممتعة. ومع ذلك، فقد تم مؤخرا مشاركة ما يقرب من ثلاث مئة ألف منشور مع علامة التصنيف “”#نوفلتر” على الإنستغرام، وتعد إشارة تضمن الجانب الصادق من الصورة. فهل نشهد الالتزام بالصدق في نشر المحتويات على مواقع الواصل الاجتماعي؟ موضة جديدة ربما تخترق الرموز الحالية لهذه المواقع حيث يسود التظاهر ومحاولات الإبهار.

*(وم ع)