تحليل

الجزائر.. عودة "العصابة"

عادل بنحمزة

أطلقت محكمة الاستئناف العسكري بالبليدة رصاصة غادرة على الحراك الشعبي في الجزائر وهي تقضي، السبت الماضي، ببراءة كل من الجنرالين توفيق مدين، مدير المخابرات الجزائرية السابق، وعثمان طرطاق، المنسق السابق للأجهزة الأمنية، ولويزة حنون، زعيمة حزب العمال اليساري، إضافة إلى شقيق الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، السعيد بوتفليقة، المتهمين في قضية التآمر على سلطتي الجيش والدولة.

قبل هذا الحكم كان الجنرال خالد نزار قد عاد قبل أيام بطائرة رئاسية من برشلونة. هذه الأحداث المتواترة زامنت غياب رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، والذي دام شهرين بداعي الإصابة بكورونا وعودته الغامضة مصابا في رجله اليمنى دون تفاصيل تذكر. يضاف إلى ذلك الموت الغامض للجنرال قايد صالح، والصراع الصامت بين كل من الفريق أول بنعلي، قائد الحرس الجمهوري، والفريق شنقريحة قائد الأركان.

ما تعرفه الجزائر يعد مؤشرا خطيرا على دخول الجارة الشرقية نفقا جديدا، العنوان الغالب عليه هو عودة أقطاب الدولة العميقة، وتصفية تركة قايد صالح الذي عمل على إنقاذ النظام بالتضحية بجناح منه، جوابا عن مطالب الحراك الشعبي. فعودة الجنرال الدموي خالد نزار رفقة الجنرال توفيق، في حال عجز الجيش والمخابرات عن إفراز قيادات جديدة تقطع مع تركة الجنرالات ضباط الجيش الفرنسي الذين التحقوا متأخرين بالثورة الجزائرية، وساهموا في تحريفها عن مسارها، ستؤدي إلى أن الجزائر، لا محالة، ستسقط في الحالة السورية، كما تنبأت كثير من الدراسات التي تناولت الأوضاع في الجزائر ما بعد الربيع العربي. يزامن ذلك أزمة اقتصادية خانقة عمدت فيها الدولة الجزائرية إلى طبع أوراق مالية دون التوفر على ما يقابلها من الذهب والعملة الصعبة، ما يرفع نسبة التضخم التي قد تصل إلى 50 في المائة، في ظل اقتصاد جامد مازال يربط 93 في المائة من مداخيله بصادراته من المحروقات في لحظة يجتاز فيها العالم حالة ركود واسعة أثرت وستؤثر في الاقتصاد العالمي، مع معاناة مضاعفة للبلدان التي مازالت تعتمد في اقتصاداتها على الأشكال المختلفة للريع، والخلاصة أن عودة الجنرالات الدمويين ستكون في ظل اقتصاد سياسي لا يساعد على اعتماد سياسة العصا والجزرة، كما جرى بعد الربيع العربي، إذ لا جزرة اليوم في الجزائر التي تعاني عجزا في الميزانية يتجاوز 23 مليار دولار، وهو مرشح ليتوسع أكثر في السنوات المقبلة، ما يجعل العصا هي الاختيار الوحيد والممكن، بكل ما يشكله هذا الاختيار من تهديد حقيقي للسلم الأهلي في بلد تحيط به بؤر عدة من ليبيا إلى النيجر ثم مالي.

تبقى الاختيارات محدودة أمام النظام الجزائري بجناحيه المنقسمين بين الجنرال خالد نزار وتركة الجنرال الراحل قايد صالح، لكن الجناحين يتوحدان في العداء المطلق للمغرب، والذي حاولوا أن يجعلوا منه عقيدة لدى الجيش الجزائري، وقد استثمروا طويلا في العداء لكل ما هو مغربي، حتى دون أن يكون له علاقة بموضوع الصحراء المغربية، فالمغرب بالنسبة إلى الجنرالات في الجزائر مثل دوما نموذجا مثاليا للعدو الخارجي، لكن يبدو اليوم، خاصة بعد الحراك الشعبي، أن هذه الصورة النمطية استنفدت دورها في العقود السابقة، التي جرى فيها تسويق صورة المغرب باعتباره عدوا ثابتا لإلهاء الرأي العام الداخلي في الجزائر، ولتبرير نهب أموال الشعب الجزائري في صفقات سلاح بملايير الدولارات، والمؤكد أن الرئيس عبد المجيد تبون، الذي يمثل اليوم الخلقة الأضعف في قمة هرم السلطة، يوجد على رأس النخبة الجزائرية الحاكمة ممن يرون ضرورة استمرار حالة العداء للمغرب نظرا إلى ما يدره ذلك العداء من عائدات مادية ومعنوية في ما يتعلق بإرضاء الدولة العميقة التي لم تشهد قطيعة أو مراجعات حقيقية، وقد ظهر ذلك جليا في الخطاب السياسي للسيد تبون، الذي شكل المغرب ثابتا في حديثه، حتى في اللحظات التي كان من المفروض فيه أنه يتوجه إلى الشعب الجزائري، وما يقتضيه ذلك من ضرورة التركيز على القضايا الداخلية للجزائر. حدث ذلك في الحملة الانتخابية، وتكرر بنوع من الابتذال في حفل تنصيبه رئيسا.

صحيح أن متتبع «متلازمة العداء للمغرب»، التي تطغى على الجزائر الرسمية، يخلص إلى استبعاد إيجاد حل حقيقي للنزاع المفتعل في الصحراء المغربية، خاصة من جهة إمكانية إحداث اختراق في الموقف الجزائري، والذي أصبح اليوم شبه مستحيل مع عودة «العصابة» للإمساك بخيوط السلطة المتشابكة في قصر المرادية.