قضايا

بيعة ملك

أحمد الشرعي*

زيارة الوفد الإسرائيلي الأمريكي للمغرب، تفعيلا لاتفاق إعادة العلاقات بين المغرب واسرائيل، حدث سياسي كبير بامتياز على مستوى العلاقات الدولية، ولكنه بالنسبة للمغرب البلد الحافل بالتاريخ حدث استثنائي ولا شك.

رئيس الوفد الإسرائيلي مائير بن شبات، الذي يشغل أيضا منصب رئيس الأمن القومي، والمنحدر من أبويين بأصول مغربية حرك مشاعر كل المغاربة عندما خاطب الملك محمد السادس بالدارجة، ‘‘ الله يبارك فعمر سيدي‘‘ هي العبارة التي يستعملها المغاربة منذ قرون للتعبير عن بيعتهم للملك. وبنطق هذه العبارة استعاد مائير بن شبات تاريخ اليهود  المغاربة وروابطهم بملكهم.

استئناف العلاقات مع دولة اسرائيل يتجاوز معنى الاتفاق الديبلوماسي العادي. إنه المغرب الأبدي الذي يبرز للعالم، كفاعل تمكن من استيعاب كل رواسب التاريخ. الدور المحوري للملكية، هذه المؤسسة الضاربة في جذور الزمن، يكمن أولا في تجسيد مفهوم الأمة، والبيعة ليست انخراطا في قرارات إدارة سياسية ولكنه انصهار في أمة وما تمثله من قيم.

اليهود حاضرون في المغرب منذ 3000 ألاف سنة، أي قبل الفتح الإسلامي بقرون كثيرة، وهم بذلك جزأ لا يتجزأ من لحمة هذا الوطن وثقافته. هذا ما عبر عنه حاييم ميزراحي بأبلغ وصف حين قال ‘‘لقد عاشوا مثل باقي الشعب.. في كل حقبة‘‘. اليهود المغاربة لم ينسوا أن الملك الراحل محمد الخامس رفض تطبيق قوانين جمهورية فيشي (المدعومة من ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية) عندما كان المغرب تحت الحماية الفرنسية، وانخراطه فيما بعد في معسكر التحرير.

هذا الحنين شعور عاطفي أولا. أغلبية اليهود المغاربة عاشوا في القرى، لكنهم ساهموا على مدى القرون المتعاقبة في بناء ثقافة متعددة وغنية جمعت الرافد الأمازيغي بالعربي بالأندلسي باليهودي. والمغرب هو البلد العربي الوحيد الذي ينص دستوره على أن الرافد العبراني يمثل مرجعا هوياتيا لكيانه. لذلك، وعندما يبايع مسؤول إسرائيلي كبير ملك المغرب أمام عدسات كاميرا العالم قاطبة، فإنه لا يعبر سوى عن استمرارية هذا التاريخ الأبدي. المغرب بني على التنوع والملكية.. العامل الموحد.

وبعيدا عن كل هذه الدلالات،ثقل التاريخ كان له دور في تسهيل هذه اللقيا مجددا. اليهود المغاربة يعتبرون أنفسهم مغاربة أينما عاشوا، كما أن القانون المغربي الذي لا يسقط الجنسية المغربية حتى لمن عاشوا أو ولدوا في بلدان أخرى، عزز هذه الحقيقة الراسخة التي تقول أننا جميعا..يهود..عرب.. أمازيغ.. عشنا هنا منذ فجر التاريخ.

استمرارية تاريخية تجعل من المغرب حالة متفردة. المؤسسة الملكية الحاضنة لكل الروافد، وقيم التسامح وقبول الآخر جعلا، وسيجعلان، من المغرب وإلى الأبد، بلدا استثنائيا.

*المقال نشر في يومية "الاحداث المغربية"