رأي

عبد اللطيف مجدوب: الاستعمار الفرنسي والأسامي القدحية للأشخاص

توصيف الظاهرة

 

إذا استعرضنا ؛ من خلال كنانيش الحالة المدنية ؛ تسميات الأشخاص ، لاحظنا وبكثير من الحنق أنها تبدأ بألقاب ؛ في عمومها ؛ أسماء وصفات لحيوانات وحشرات وجمادات وعاهات ، أو أماكن عفى عنها الزمن ، قبل أن تقرن بالأسماء الشخصية لأصحابها عنوة ، حتى تترسخ لدى الجماعة أو القبيلة أو الفخذة مناداة الأشخاص بألقابهم لا بأسمائهم الشخصية ؛ على شاكلة : آسّفري ؛ آلمقروطي ؛ آلخمار ؛ آلعور ؛ آدّيب ؛ آلفكروني ؛ آلبوهالي ؛ آبورجيلة ؛ آلعتروس ؛ آبوعزا ؛ آلمضروبي آبوحنشة ؛ آبورمانة ؛ آبوتفليقة ؛ آلمخروطي ؛ آجّن ؛ آبوكدرا ...

            كما لاحظنا أن هذا التقليد انتقل إلى كثير من شعوب شمال افريقيا ؛ بعد انعتاقها من ربقة الاستعمار ، نخص من بينها البلدان المغاربية كتونس والجزائر والمغرب وكذا موريطانيا ، بيد أن اللافت في الظاهرة هو الضرر النفسي الذي ألحقه المستعمر الفرنسي بالرعايا الجزائريين خاصة ؛ يوم أن أصدر قانونه الميز عنصري "فرق تسد" ، بموجب قانون الحالة المدنية سنة 1883 ، والذي كان يقضي بتنظيم ألقاب المواطنين الجزائريين واستبدالها ؛ بعد أن كانت في تركيبتها قبل الاحتلال ثلاثية ورباعية أو خماسية ، لكن السلطات الفرنسية ، وبتواطؤ من الخونة ، وضعت ألقابا للأهالي الجزائريين ؛ مشينة ونابية ؛ إمعانا في إذلالهم وتحقيرهم ؛ بعضها نسبة لأعضاء الجسم والعاهات الجسدية ، كما ألحق ألقابا أخرى نسبة للألوان والفصول وأدوات الفلاحة وأدوات الطهي ؛ من قبيل : بوراس ؛ بوبغلة ؛ بوذراع ؛ بوكراع ؛ بومنجل ؛ بومعزة ؛ لطرش ؛ لحْمار ؛ بودبزة ...

 

            الإسم العائلي والإسم الشخصي

 

       من خلال استعراض كرونولوجيا سجلات الحالة المدنية بالمغرب ، سنعثر على فترة امتدت من بداية الخمسينيات من القرن العشرين وحتى أواخر العشرية الأولى من القرن الواحد والعشرين 21 ، كانت فيها البطاقة الشخصية تحمل اللقب (الإسم العائلي) ثم الإسم الشخصي لحاملها ، إلا أن هذا العرف الإداري لم يكن ليشمل جميع المغاربة ، بل كانت هناك طبقة من الأفراد والعائلات تم استثناؤها من هذا العرف ، وبذلك نصت بطائق أصحابها على الإسم الشخصي أولا ، متبوعا بالإسم العائلي ثانيا ، مثال : عبد الرحيم القباج ؛ كريم بناني ؛ أمينة الغساسي .. في نفس الفترة كنا نجد : الحمامصي محمد ؛ البلعوني سعيد ؛ بوغرفة عبد الرحيم ... وقد امتدت هذه النظرة الميزية بالمشرع المغربي آنذاك إلى تبنيها في جميع الوثائق الإدارية والثبوتية ذات الصلة بصاحب البطاقة ، ترافقه في المدرسة والمصنع ، كما تصاحبه في المهجر ، وهي نظرة ازدواجية للمخزن تجاه المغاربة ، تبعا لأعراقهم وأصولهم ، ما زالت متأثرة بالسياسة الاستعمارية وتبنيها لمبدأ "فرق تسد" .

ولإن كان المرسوم الأخير المتعلق بالحالة المدنية الصادر في أكتوبر 2002 ، رقم 37.99 ينصّ على حق المواطن في تغيير إسمه العائلي فإن ذلك يخضع لإجراءات إدارية جد معقدة ؛ تستدعي الإدلاء بعدة وثائق إدارية ، فضلا عن أسباب حمل صاحبها على تغييره .

 

            الأمازيغية والاستثناء (النشاز)

 

            شهد أواخر القرن الماضي وحتى الآن (2020) حركة ثقافية محمومة ؛ نشطت في مجال السوسيولوجيا الثقافية ، وتحديدا الأمازيغية ؛ احتد نقاشها ليفرز جملة من المطالب ؛ كان على رأسها تبني اللغة الأمازيغية لسانا وطنيا بالمرافق العمومية كالإعلام والتعليم والإدارة ، علاوة على المطالبة بحق توظيفها في القضاء وكتابة المواثيق والعهود . ولإن كانت هذه المطالب أو بالأحرى بعض منها ما زال محل جدال ومماطلة أحيانا ، فإن السلطات الرسمية لم تبرح تنظر بعين التوجس تجاه الانسياق وراء تلبيتها ؛ متحججة ولو تلميحا بالحماس المغرض الذي يغذي هذا التوجه لدى بعض النشطاء الأمازيغيين ، وبالتالي التشكيك في براءته ، تقوّى هذا الاحتكاك والارتياب بصورة خاصة في أعقاب رفع شعارات انفصالية من لدن بعض الحركات السياسية ، جاءت متزامنة مع انتفاضات تيارات ثقافية مطالبة بالاستقلال الذاتي ، سواء في إقليم الباسك الإسباني أو بمناطق بعض دول أمريكا اللاتينية .

            ولعل من أبرز الملفات العالقة ؛ في هذا السياق ؛ تبني الألقاب والأسماء الأمازيغية ، بإرادة أصحابها لا بإرادة أو بإيعاز من اللجنة العليا التابعة لوزارة الداخلية والمختصة في دراسة طلبات الألقاب والأسماء أو تغييرها ، فالخطاب الأمازيغي الذي ما فتئت بعض الجمعيات الأمازيغية تجاهر به السلطات هو حقها في حمل أسماء وألقاب أمازيغية أصيلة ؛ إسوة ببعض المكونات الإثنية والثقافية المغربية ؛ كالعبرية والمسيحية والعربية ، وإن كانت الثقافات الأمازيغية والعربية والحسانية ؛ في عمومها ؛ تتقاطع في جذوع لغوية مشتركة ، وبالتالي فلا سبيل إلى التميز وانتقاء أسماء أمازيغية مجهولة المعنى لدى العام ؛ أو لها إيحاءات تصطدم مع هذه اللهجة أو تلك ، على شاكلة هذه العينة : سيليا ؛ نوميديا ؛ أريناس ؛ أماريس ؛ يوبا ؛ غيلاس ؛ ماسينيسا ...

            وصفوة القول إن اللقب الشخصي (الإسم العائلي) جزء لا يتجزأ من هوية صاحبه ، يرافقه مدى العمر ، لكن إذا كان وارثا له عبر الأباء والأجداد ويرى في معناه أو يوحي له ولأبنائه بالازدراء والقدح ، فقد مكنه المشرع وضابط الحالة المدنية بحقه في طلب تغييره ، عبر مسطرة واضحة ، ولو أنها معقدة في إجرائيتها ، أما بالنسبة لحمل الألقاب الأمازيغية فما زالت العديد من الأسر المغربية تتوارثها أبا عن جد ، بغض الطرف عن دلالاتها ما إذا كانت "أصيلة" أو مستعربة ، بيد أن اختيار الشخص للقبه الأمازيغي بمحض إرادته نأمل أن تحين مسطرته ، وألا يبقى معلقا بمزاجية اللجنة العليا المختصة بدراسته والبت في طلباته .