رأي

عبد الصمد بن شريف : الجزائر هي رأس الرمح

هناك قناعة راسخة لدى المغاربة في كون الجزائر هي رأس الرمح في نزاع الصحراء. ويدركون جيدا أن الجزائر كنظام إذا بذلت الجهود الضرورية، يمكن تجاوز كل الصعوبات، ويشددون على أهمية وضع قضية الصحراء في سياقها الحقيقي التاريخي والجيو-استراتيجي. فبوليساريو التي تأسست في 1973 سوقت أطروحاتها ورسخت وجودها، بفضل احتضان الجزائر لها، وقد يكون هناك من راجع موقفه، واقتنع بضرورة الانفتاح على المغرب، واستبعاد إيجاد كيان جديد في المنطقة، لكن عدم اتضاح الصورة وضبابية المشهد السياسي في الجزائر لا يشجعان على تعزيز هذه القناعات، وقد سبق للجنرال المتقاعد، خالد نزار، والذي كان وزيراً للدفاع، أن صرح لأسبوعية مغربية، قبل سنوات، أن بلاده ليست في حاجة إلى دولة على حدودها، وهو تصريح اعتبر سابقة غير مألوفة من الجيش الجزائري الذي التزم، معنوياً ومبدئياً، بالدفاع عما يسميه حق تقرير المصير للشعب الصحراوي. ويروي نزار في مذكراته، والتي صدرت عن منشورات جريدة الخبر"، إنه علم بلقاء الرئيس الجزائري (الأسبق)الراحل الشاذلي بن جديد مع ملك المغرب، الحسن الثاني (الراحل)، ولم يفهم وقتها ما الذي سيناقشانه، بينما لا يزال مشكل الصحراء حجر عثرة في كل نقاش في وضعية عالقة. وأضاف "الأكثر من ذلك، تم اللقاء بعد أن قدمت، أنا والمقدم محمد التواتي، إلى الشاذلي مذكرة نعلمه فيها قبل ستة أشهر أن المغرب يحضر لبناء جدار في الصحراء، وهو الحل الوحيد الذي يجعل قواته وعتاده في منأى عن الهجومات الصحراوية".

وعلى الرغم من ارتباط هذه الشهادة بسياق تاريخي معين، إلا أنها، معنوياً وسياسياً، تظهر،، أن استمرار السلطات الجزائرية الحالية في معاكستها مطالب المغرب المشروعة، يرتبط أساساً بحسابات المؤسسة العسكرية الماسك الفعلي بزمام الأمور. كما أن لهذه المعاكسة علاقة بالأزمة الداخلية التي يبحث المتسببون فيها، عن متنفس خارجي لتبرئة ساحتهم، والتنصل من مسؤولياتهم، وبناء شرعية جديدة، فالحراك الشعبي الذي شهدته ومازالت تشهده مختلف المناطق الجزائرية، أربك النظام منذ اندلاع الشرارة الأولى للإحتجاجات على الرغم من عائدات النفط المغرية.وظهر جليا أن المؤسسة العسكرية كانت هي مهندس مآلات الحراك، فهي التي تحركت وتدخلت واقترحت وأقالت وسجنت. وهي التي رسمت معالم العهد الحالي وفرضت انتخابات على المقاس حملت عبد المجيد تبون إلى سدة الرئاسة، ليقوم باللازم ويلتزم بالمطلوب منه. وكذلك كان .فقد وضع تكسير المغرب والتضييق عليه إفريقيا ودوليا وأمميا وعلى كافة المستويات، هدفا استراتجيا لعهدته. والتصريحات التي أدلى بها منذ توليه شؤون الرئاسة بخصوص المغرب تنم عن عدم استعداد الرجل للتحاور والتفاهم والتواصل، بل فتح النيران ضمنيا على بلد جار، وطفق ينعته بالمحتل والتوسعي الذي اغتصب حقوق الشعب الصحراوي وطالب مجلس الأمن الدولي بضرورة التعامل بصرامة مع هذا الوضع ،والتعجيل بتظيم استفتاء لتقرير مصير الصحراء .علما أن هذا الخيار لم يعد مطروحا.

وهاهو النظام الجزائري بقيادة المؤسسة العسكرية يؤكد بما لايدع مجالا للشك، رغبته في التصعيد والاستفزاز، حيث عمد بعد تدخل القوات المسلحة الملكية لإعادة فتح معبر الكركرات بين المغرب وموريتانيا بشكل سلمي بعد عرقلة حركة العبور من طرف عناصر تابعة لجبهة البوليساريو، عمد إلى تبني الفعل غير القانوني للإنفصاليين والدفاع عنه وتبريره. وحرك دبلوماسيته لتنفث السموم عبر بلاغات ملغومة ومنحازة، وهيج وأجج وجيش وسائل إعلامه عمومية وخاصة لتتنافس في وصف المغرب بكل النعوت البذيئة، وإطلاق العنان للافتراء والتضليل ،ونشر الأخبار الكاذبة وفبركة وقائع وهمية ،وإظهار جبهة البوليساريو بمظهر المظلوم الرصين والحكيم، الذي يجب أن يتمتع بتغطية شاملة عسكرية ومالية ودبلوماسية.

والغريب في الأمر هو تحول مختلف وسائل الإعلام الجزائرية إلى منابر ناطقة باسم جبهة البوليساريو، فيما يشبه حربا نفسية وإعلامية مقدسة لزعزعة معنويات القوات المسلحة الملكية والتشويش على الشعب المغربي، بإظهار ميلشيات جبهة البوليساريو بمظهر الجيش الجبار الذي لايقهر ولا يشق له غبار. والذي بمجرد تدخل القوات المسلحة الملكية لإعادة الوضع الطبيعي إلى معبر الكركرات، فقد كان في كامل جهوزيته ليتحرك ويقصف ويناور كما يشاء ويصل إلى حيث يريد.

الخلاصة من كل هذا ،هو أن النظام الجزائري هو الفاعل الأساسي في كل ما يقع من توترات .وهو يعرف ويعي ما يفعله .وهو الذي يوجه قيادة جبهة البوليساريو ويملي عليها مايجب القيام به، خاصة في ظل حالة اليأس والتذمر التي باتت السمة البارزة في مخيمات تندوف. ما يفسر استعداد النظام الجزائري و جبهة البوليساريو لارتكاب الحماقات وركوب كل المغامرات، بما في ذلك إشعال المنطقة من جديد.