تحليل

من وحي برقية صاحب الجلالة الى الجزائر بمناسبة احتفال الشعب الجزائري بذكرى فاتح نوفمبر 1954

سليمة فرجي
من وحي برقية صاحب الجلالة الى الجزائر بمناسبة احتفال الشعب الجزائري بذكرى فاتح نوفمبر 1954 
وانا اطلع على ما جاء في برقية جلالة الملك الى الرئيس الجزائري  بمناسبة احتفال الجزائر بذكرى فاتح نوفمبر 1954 والتي جاء فيها ” ولا يفوتني، في غمرة تخليد بلدكم الشقيق لهذه الذكرى الوطنية المجيدة، أن أجدد الإعراب عن مدى تقديري لأواصر الأخوة الصادقة التي تجمع الشعبين المغربي والجزائري، مستحضرا، بكل اعتزاز، ملحمة التآزر والتضامن التلقائي الذي طبع فترة كفاحهما البطولي 
من أجل الحرية والاستقلال "
استحضرت  حلم المغرب الكبير ،  الذي رافق الأجيال عبر عقود من الزمن ، وكان الآباء والأجداد يعتقدون أن الاستعمار البغيض هو مٓنْ حال دون تحقيق الهدف المتمثل في الاتحاد أو على الأقل ربط علاقات جيدة تضمن تكاملا إقتصاديا وحرية التجول وصلة الرحم ومواجهة الخطر المحدق المتمثل في الإرهاب ومحاولة التفتيت والمس بالاستقرار ، لكن، بعد أن كافح كل بلد من أجل التحرر وتمت التضحية بالغالي والنفيس وقيادة ثورات حتى النصر والاستقلال ، ذهب ضحيتها شهداء أبرار وسالت دماء طاهرة في ربوع هذه البلدان ، أصيب الجيل الحالي بخيبة أمل واستياء وذهول أمام استمرارخلافات واختلافات لم تعد تفهم ، فأصابت الكل أحيانا بشعور باليأس والإحباط والاستسلام للواقع المرير ،وفينة بمحاولات لإيجاد حلول لا تلبث أن تتلاشى امام جبروت الحقد والعناد ، وأن إعطاء المثال بالاتحاد الاوروبي الذي تكون رغم الخلافات بين أعضائه لتعبير عن الرغبة في تحدي الصعاب والأيديولوجيات والعمل على فتح الحدود ، الاتحاد الاوروبي نشأ في أعقاب حرب طاحنة وبدأ بدولتين ليصل عدد الأعضاء الى 28 ، ومن يقوم بزيارة للبرلمان الاوروبي يدرك الرسائل الممررة والتي تنطلق من معاناة أوربا من ويلات الحروب والفقر والجرائم ضد الانسانية ، والإبادة الجماعية والعدوان ، ولعل الممر المظلم الذي يشير الى1914-1918 بمختلف الصور البشعة التي واكبت الحرب العالمية الأولى أو ممر الحرب العالمية الثانية وما خلفته من خراب ودمار في الأرواح والعمران وضرب الثقافات ، يجعل الزائر يخال أن الرسائل تود أن تصرح لذاكرة التاريخ :" نحن لا ننسى وأخذنا العبر ولا نريد أن تتكرر ويلات الحرب ومعاناة ساكنة أوروبا من الفقر والدمار ومخلفات الحروب ، وتدعو إلى الانفتاح والتكامل الاقتصادي لدول الاتحاد مهما اختلفت الاديولوجيات والمذاهب واللغات والديانات ونظم الحكم ، وأن الهاجس الجوهري يتمحور حول سلامة ورخاء وازدهار دول الاتحاد ، 
لكن في المقابل وبالنسبة لدول شمال أفريقيا التي عانت من ويلات 
الاستعمار الذي كان يبحث آنذاك عن الثروات الطبيعية التي استنزفت ، لا زالت الجراح لم تلتئم،  ولا زال التكامل الاقتصادي بعيد المنال بين الأقطار المغاربية رغم التاريخ المشترك الذي سجل انتفاضات شعبية عنيفة في المغرب والجزائر ضد عدو مشترك استعمر البلاد واستنزف الثروات ونهب الخيرات وكان سببا في اختلاق أسباب النزاع بين هذه الدول ، 
ولعل الخطاب الموجه بتاريخ 20 غشت 2016 من طرف الملك محمد السادس بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب ، والإشارة الى ارتباط المغرب بمحيطه ليعد تشخيصا للوضع المغاربي انطلاقا من تاريخ مشترك مبصوم بتضامن المغرب المطلق عبر التنسيق بين قيادات المقاومة المغربية وجبهة التحرير الجزائري ، بالاضافة الى المساعدات القيمة التي قدمها المغرب للجزائر من اجل الحصول على استقلالها ، علما ان سكان مدينة وجدة والمدن الحدودية يتذكرون قبل 1962 تاريخ استقلال الجزائر جميع المساعدات المادية والمعنوية المقدمة والتفاني في مد يد العون واستقبال الجنود الجزائريين وإيوائهم ، بل ولم تنشرح قلوب المغاربة في مغرب استقل سنة 1955 الا بعد استقلال الجزائر سنة 1962 ، 
لذلك استنتجنا من الخطاب الملكي السامي الموجه الى الشعب بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب انذاك أن الروح التضامنية التي سادت أثناء حروب التحرير والتي مكنت شعوبنا من مواجهة الاستعمار وطرده هي  نفسها تلك الروح التضامنية التي نحتاجها ونصبو اليها ونٓحِنّ لها من إجل رفع التحديات التنموية والأمنية المشتركة ، لان العدو المشترك كان آنذاك هو الاستعمار الذي استنزف الثروات وخلف وراءه الشهداء والأرامل وخلق النزاعات بين الدول 
، اما العدو المشترك في الوقت الراهن فانه يتجسد في الجماعات الإرهابية والحروب الأهلية والصراعات والهجرة والفقر المذقع والاوبئة ومختلف آلام شعوب مكلومة تعيش حالة ترويع مستمر ، ولا تكون مواجهة هذه الأخطار المحدقة ممكنة إلا بتضامن الشعوب وشد أزر بعضها البعض ، لذلك فإن إشارة عاهل المغرب في خطاب ذكرى ثورة الملك والشعب  الى ربط الماضي بالحاضر ، و التطلع لتجديد الإلتزام والتضامن الصادق الذي يجمع شعوب المغرب الكبير لمواصلة العمل بحسن نية لمواجهة تحديات المرحلة ، ليعتبر في قمة الحكمة والنضج السياسي والوفاء التاريخي والنبل الأخلاقي خدمة للمصالح العليا للمحيط المغاربي والإفريقي ! لذلك ألم يحن الوقت بعد لربط الماضي بالحاضر واستحضار الروح التضامنية التي ناضلت من أجل استرجاع الكرامة والحرية ؟ 
ألم يعد من الممكن الاستفادة من تضامن الماضي لإحياء أمجاد التاريخ و تحقيق حلم مغاربي يستفيد من تحقيقه مواطنون يصبو جلهم الى تكامل اقتصادي واستقرار وأمن وامان وصلة الأرحام ، ونحن نقرأ البرقية ونربطها  بالخطابات الملكية السامية ؟ ما هي الخطوات التي قد تبشر بالانفراج وتفتح باب الاستثمار والتسويق وإغناء العلاقات الانسانية ومقاومة الاحقاد والمعيقات في زمن كثرت فيه الاهوال واشتدت الأزمات على رأسها الوباء اللعين فيروس كورونا  الذي لم يكن في الحسبان ،ما أحوجنا فيه إلى التدثر بماضينا المشترك وتاريخنا المبصوم بالتآزر وموروثنا الثقافي الغني والمتشعب الذي يعوض شعوبنا عن التيه الإيديولوجي ومختلف الانزلاقات الخطيرة المتربصة بنا ؟ ومتى توفرت الإرادة لدى الشعوب فان المستحيل يصبح ممكنا مهما كبرت التحديات .
سليمة فراجي محامية 
برلمانية سابقة