فن وإعلام

مهرجان الجونة.. تكريم النجم المغربي سعيد التغماوي وأفلام تزرع البهجة في النفوس

عبد الإله الجوهري*

تكريم الفنان المغربي سعيد التغماوي في مهرجان الجونة السينمائي، خلال الدورة الرابعة التي تنظم في الفترة التي تمتد ما بين 23 و31 أكتوبر 2020، هو تكريم للمغرب وأبناء المغرب المتميزين، تكريم لتجربة سينمائية انطلقت من أحد الأحياء الهامشية لمدينة باريس الفرنسية، قبل أن ترسم لنفسها مسارا فنيا متفردا، وتراكم الأدوار الكبيرة في أشهر الأفلام العالمية، بدءا من فيلم الفرنسي La haine للمخرج الفرنسي Mathieu Kassovitz سنة 1995 الذي قدمه لأول مرة في دور سينمائي للجمهور، وصولا لفيلم John Wick Parabellum للمخرج الأمريكي Chad Stahelski سنة ،2019 وفيلم Wonder Woman 1984 للمخرجة Patty Jenkins سنة 2020، أفلام أهلته للحصول على العديد من الجوائز وكرسته كأحد أهم الأسماء المنتمية للعالم العربي في عالم التمثيل. هذا دون نسيان دوره المفارق للواقع في الفيلم المغربي "علي زاوا" الذي فاز بفضله على جائزة احسن ممثل في مهرجان مانهيايم بألمانيا.

تكريم هذا الممثل المغربي، الموهوب المشاكس، أستقبل بحرارة منقطعة النظير من جمهور الجونة، الذي جاء للاحتفاء، وتحدي جائحة كورونا، حيث تسلم من يد الممثل المصري خالد النبوي، درع عمر الشريف، كتحية وتقدير لمعظم أعماله، وقد ألقى كلمة بالمناسبة، قال فيها: السلام عليكم، أنا أتحدث اللغة الإنجليزية، أقول لكم أني ولدت في باريس وعندما أصبحت ممثلا لم يكن هناك الكثيرون يهتمون بذلك، كان لدي أدوار غير جيدة، ولم أستطع تغيير الهوية حين ذلك، كانت والدتي تعشق عمر الشريف وكذلك أبي، ويحبون جورج كلوني أيضا، ويشاهدون الأفلام المصرية، وكل النجوم المصريين العظماء. كبرت ولم أكن أفهم كل تلك الأشياء لأنها كانت معقده، فبدأت دراسة الصورة وفهمها، وعمر الشريف لم يكن ممثلا بل أمل، فكان المصير وكان القدر، والقدر دائما مكتوب، وكنت في افتنان وإعجاب بهذا الرجل، فكان يعطيني الأمل، فكان شخصية عظيمة للشعوب العربية، ولم أكن أتوقع أن أحلم وأعمل معه في يوم من الأيام، علمت معه في أحد الأفلام وتعلمت منه الكثير من الأشياء، واليوم وأنا أحمل جائزة باسمه، أفتقد صوته في أذني، أنا فخور بتلك الجائزة في بلده مصر الذي دعاني إليها في يوم من الأيام وتحدث عني، عمر أراك قريبا.

تكريم التغماوي جاورته تكريمات أخرى، من بينها تكريم النجم الفرنسي جيرار ديبارديو، الذي خلق نقاشا مستفيضا على الصفحات الاجتماعية وبعض الجرائد والمواقع الصحفية، أياما قبل انطلاق الدورة، باعتبار علاقات هذا الممثل المتقلب مع الكيان الصهيوني حيث دعى العديد من المثقفين والسينمائيين، وبعض الهيئات والجمعيات المصرية، إدارة المهرجان على التراجع عن هذا التكريم، إلى أن القائمين على شؤون المهرجان كان لهم رأي آخر، يتلخص في أن فعاليات الدورة تكرم جيرار الفنان السينمائي، وليس ديبارديو السياسي. كما تم تكريم النجمة شيرين رضا، والمبدع أنسي أبوسيف من مصر.

المهرجان خلال هذه الدورة يعد الجمهور بفرجة سينمائية متنوعة، من خلال باقة هامة من أجود الأفلام المنتجة عبر العالم خلال السنة الحالية، من بينها الفيلم المغربي الروائي الطويل "ميكا" للمخرج إسماعيل فروخي، الذي من المفروض أن يعرض في اليوم الرابع من أيام المهرجان، أي يوم يوم 26 من هذا الشهر، والفيلم التونسي "الرجل الذي باع ظهره" لكوثر بن هنية، الذي كان له شرف افتتاح فعاليات الدورة، وأعيد عرضه في اليوم الثاني من المهرجان نظرا للاستقبال الذي حظي به، والنقاش الذي خلقه حول تجربة هذه المخرجة التونسية، التي أصبحت من الوجوه الأكثر ابداعا في الساحة العربية خلال السنوات الأخيرة. فيلم يلامس بكثير من الشاعرية الحادة مأساة اللجوء والهجرة، التي يتم استغلالها بشكل فني فج من خلال استغلال ظهر لاجئ وتحويله إلى لوحة مرسوم عليها صورة فيزا، لوحة تعرض في معارض أوروبية، وتخلق ضجة إعلامية وسط المجتمع البلجيكي، وحقوقي لدى الجمعيات الحقوقية، أساسا منها جمعية اللاجئين السوريين. وخلال مسارات الحكي نعيش مع هذا اللاجئ قصة هروبه من بلده سوريا، بعد اعتقال اعتباطي، وهروبه خارج سوريا عن طريق لبنان، وزواج حبيبته بدبلوماسي سوري ببلجيكا، وكيف يلعب القدر لعبته، من حيث تلاقي مساره بمسار هذه الحبيبة، ويعيشان معا فصولا من الاستغلال والمعاناة.

اليوم الثاني من المهرجان شهد عرض مجموعة أفلام ضمن المسابقات الرسمية من بينها الفيلم الأسترالي "حارس الذهب" للمخرج رودريك ما كاي. وقد شهد العرض اقبالا جماهيريا عريضا، لكون بطله هو الممثل المصري الشاب أحمد مالك. الفيلم من صنف أفلام "رعاة البقر" لكن في قالب أسترالي محض، حيث الصراع بين مجموعات بشرية، تعكس التعدد السكاني للقارة الأسترالية والمواجهات بين مكوناتها، صراعات لخصت التهافت على خيراتها خلال نهاية القرن التاسع عشر. ورغم أجواء الفيلم المثيرة وعوالمه التقنية المضبوطة، والابهار في توظيف المؤثرات، فلم يستطع أن يشد الجمهور الذي حج لمشاهدته، حيث غادرت أعداد كبيرة القاعة قبل نهايته، معبرة عن خيبة أملها من أحداثه التي جاءت مصطنعة لا تحمل جديدا، أحداث شاهدناها في عشرات  أفلام الغرب الأمريكي.

* مخرج وناقد سينمائي