تحليل

"البيدوفيليا" ليست للصراع

ابراهيم أقنسوس

مذ وجد الإنسان والحكايات تتواتر همسا وسرا حول هذا الذي يسمى اليوم "البيدوفيليا"، أو اشتهاء الأطفال من طرف الكبار. الأمر يتعلق بسلوك بشري يوصف عادة بالمنحرف، تتعدد بصدده التعليقات، وتتناقله المرويات الشفوية جيلا بعد جيل، بصيغ تميل عندنا إلى لغة الكتمان، ويغلب عليها منطق الهمس والتخفي، وقلما يتم الكشف عن فاعليه، لاسيما والأمر يتعلق بأطفال أبرياء، لا يدرون بالضبط ماذا يراد بهم، ولماذا يساقون إلى أفعال وسلوكيات لا يد لهم فيها، ولا يملكون أمامها حيلة.

وإذا أردنا الصراحة، فأكثرنا على امتداد حياته لا بد أن يكون سمع، أو حضر، أو وقع ضحية سلوك من هذه السلوكيات، التي تحول الطفولة إلى مشاريع جنسية، يتولاها بالغون، وأحيانا مسنون من مختلف الشرائح والطبقات الاجتماعية، يستوي في ذلك الأميون والمثقفون، المتدينون وغير المتدينين، لا فرق، فالانحراف السلوكي خصيصة بشرية، تطال كل الشرائح الاجتماعية. نعم، قد يفيد التدين العميق، كما المعرفة والتثقيف في اكتساب مناعة أكبر، لكن هذا لا يعني عدم إمكان الوقوع في الزلل، ولا يعني عدم وجود انحرافات سلوكية، قد تكبر أو تصغر، ما يعني أن "البيدوفيليا" سلوك بشري منحرف، يصدر عن مواطنين، وله أسبابه ودواعيه، كما له أجوبته العلمية والقانونية، وكذا علاجاته وطرق التخلص منه، وهذا بالضبط هو ما يجب التصدي له، من طرف أهل الاختصاص، من علماء وباحثين في المجالات المعنية بدراسة السلوك البشري وتحولاته الطارئة.

وسيكون مفيدا جدا فتح نقاش علمي صريح حول آفة "البيدوفيليا" أو اشتهاء الأطفال في بلادنا، يحضره علماء وباحثون من مختلف التخصصات، لطرح كل الأسئلة الممكنة، بغرض إنجاز مقاربة علمية دقيقة وشاملة، دينية ونفسية واجتماعية وقانونية، حول هذه الظاهرة التي تستهدف طفولتنا. لماذا يميل بعض الرجال عندنا إلى هذا اللون من السلوكيات؟ لماذا يفضلون تصريف طاقتهم الجنسية بهذه الطريقة العدوانية؟ ولماذا يميل بعضهم إلى تعنيف الضحية، والتخلص منها بالقتل، بعد قضاء وطره منها؟ ما هي الأسباب الثاوية خلف اشتهاء بعض الرجال للأطفال والطفلات؟ ولماذا يستمر بعضهم على ذلك حتى بعد الزواج؟ ولماذا يفضل أكثرنا غض الطرف والصمت عن كل هذا؟ وأين التربية الجنسية في مقرراتنا الدراسية؟ وأية تربية جنسية نقترح وبأية معايير وضوابط علمية وتربوية؟.

المؤكد أن الأمر يتطلب مقاربات علمية مسؤولة، تتناول بالدرس والتحليل حيثيات هذا السلوك البشري، أسبابه، مستويات انتشاره بيننا، آثاره القريبة والبعيدة، عواقبه الجنحية والقانونية. لست أدري لماذا يميل بعضنا إلى تقديم الاصطفافات الذاتية والفكرية على النقاشات الرصينة والمسؤولة للقضايا؟ ومتى كان السلوك البشري ميدانا لإذكاء الخلافات النظرية والسياسية؟ فالمستهدف هاهنا هو الطفولة، والقائمون وراء هذه الأفعال المشينة مواطنون أساؤوا التصرف، بدرجات متفاوتة، والمطلوب مواجهة إشكال "البيدوفيليا" بكل تفاصيله وحيثياته وتداعياته، بالشجاعة الأدبية اللازمة، إذا كنا حقا نفكر بمنطق دولة الحق والقانون، وننشد مجتمع الحداثة والمواطنة.