قضايا

البيجيدي والبرلمان..

رشيد لزرق

إن تقوية آليات الرقابة البرلمانية، تُوظف على نحو خاطئ، عبر الانحراف بهذه الآليات إلى مستوى المزايدة السياسية وتصفية حسابات سياسية، أو ممارستها على نحو تكتيكات بغاية التنصل من المسؤولية السياسية، هو أمر مناقض للمسار الديمقراطي.

كنا نأمل أن نتجاوز الممارسات تلك بنجاح، ونعتبر ما كان يمارس سابقا هو انحرفات ظرفية في طبيعة المسار الديمقراطي، وأننا الآن قادرون على المرور إلى مرحلة “الانتقال الديمقراطي الاقتصادي والاجتماعي“، التي سيكون مدارها مكافحة الفساد، وبناء نموذج تنموي مختلف عن ذاك الذي حكم الفاعلين السياسيين سابقا.

غير أن ما يقع من بروبغاندا إعلامية بين بعض نواب الجناح المزايد في العدالة والتنمية بتوظيف آلية السؤال البرلماني الكتابي يعطينا مؤشرات سلبية بكون بعض برلمانيي البيجيدي يمارسون المناورة السياسية بغية التضليل السياسي وتوليد الخلط والتأجيج والغموض. الأمر الذي يذكي مخاوف من أنْ يصل منسوب المزايدة إلى حد لا يمكن السيطرة عليه.

إن السؤال البرلماني هو أحد الآليات الرقابية، التي وُضعت بين يدي البرلمان للرقابة على الحكومة، بغية إثارتها لموضوع معين في أحد القطاعات، أو بغية حل مشكل في سياسات العمومية، وهو بذاك من أدوات الرقابة بيد نواب الأمة، محدد في القانون الداخلي للمجلسين، وفق ضوابط وإجراءات ينبغي سلكها من جهة البرلماني صاحب السؤال.

هذا الحق ليس صفقة ولا بضاعة أو مجرد سهم في سوق تتقاذفه الأهواء والمزايدة السياسية.

فالسؤال هو فكرة ديمقراطية، والذين شرّعوا له كانوا يريدون إعطاء فرصة لممثلي الأمة في مختلف الفرق والمجموعات البرلمانية، في مراقبة الحكومة، في المشاركة بفاعلية في صنع السياسات. لكن المشكلة أن طرح السؤال الكتابي وإعلانه على الفايسبوك، من قبيل السؤال حول إضراب معتقلي الريف، لم يكن الغاية منه ممارسة الرقابة السياسية على الحكومة في شخص رئيسها أو أحد أو بعض وزرائها، بل كان محاولة لمحاكمة المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج أمام الشعب، وتحويل السؤال إلى أداة تصفية الحسابات وتسجيل الأهداف وتمرير رسائل لصالحهم على حساب الفعل الجاد، دون القدرة على إيجاد مخرج لمعتقلي أحداث الريف.

وهذا يبرز في الصيغة المختارة للسؤال، وهي سؤال كتابي، لنائب برلماني، باسمه وليس باسم الفريق الذي ينتمي إليه، ومن جهة أخرى كون الفريق المنتمي له ليس فريقا في المعارضة، بل هو الفريق الذي يقود الحكومة…

مما يجعل الغاية من السؤال البرلماني هي عنصر لإضعاف مسؤولين معينين من جهة، وهنا هو مندوب إدارة السجون، والمزايدة بملفات بغية التنصل من المسؤولية السياسية.

لهذا، فإن ذلك يدخل ضمن ما يمكن تسميته بالتعسف في استخدام الحق، وهو الأمر الذي يعمّق الضبابية، ويهدد الثقة في المؤسسات، لأنّها تعطي الغطاء السياسي لإضعاف المندوب العام للسجون.

إن استغلال الموقع البرلماني، هنا، هو للمزايدة، دون القدرة على الفعل والوضوح، بالدعوة للجنة تقصي الحقائق، على سبيل المثال، أو بطرحه في صيغة سؤال شفهي، إذ السؤال الكتابي يكون بمسؤولية النائب كنائب وليس مسؤولية الفريق كتمثيلية سياسية.

إن هذه الممارسات تعمق الفجوة بين البرلمان من جهة، وبين الناخبين من جهة أخرى، وكأن جزءا كبيرا من هؤلاء الناخبين ندموا على اختياراتهم، حتى أصبح لا يهمهم ما يجري داخل هذا البرلمان.

السؤال الكتابي، الذي طرحه برلماني من العدالة والتنمية، وليس الفريق، وكما يعلم المتتبعون، له وقْع سياسي أكثر من أن يكون له وقع إجرائي، بمعنى أنّه لن يكون له أثر في السياسة، إنه فقط صيغة تترجم استعداد رئيس الحكومة للتنصل من المسؤولية السياسية، ومن تدبير حزبه للحكومة أمام الملفات الحقوقية…

إن كلّ من يتابع المشهد السياسي يعلم أنّها مجرد طرقة باب فقط من طرف العدالة التنمية، وستتلوها محاولات أخرى، لن تخرج عن الحيل السياسية، إنها مناورات سياسية قادمة ستتابع قبل تنظيم الاستحقاقات الانتخابية..