رأي

محمد إكيج: الحق في الحياة.. لأي إنسان؟

الحق في الحياة، شعار يرفعه عدد من النشطاء في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان لمناهضة عقوبة الإعدام سواء على مستوى التشريع أو على مستوى التنفيذ... ظاهر هذا الشعار جميل وبراق ومغري لأنه يدعو إلى المحافظة على أغلى حق ممنوح من الخالق سبحانه وتعالى للإنسان، فهو سبحانه المحيي للإنسان وهو المميت له وهو رازقه وهو مستخلفه في الأرض، وقد دل على ذلك بوضوح الخطاب الإلهي في آيات عديدة من القرآن الكريم: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ}، {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن سلالة مِّن طِينٍ، ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً في قَرَارٍ مَّكِينٍ، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الخالقين}، {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم}، ولذلك فهو حق فطري غير قابل لأي اعتداء بأي شكل من الأشكال ولو من الشخص نفسه بالانتحار مثلا، كما أنه غير قابل لأي اعتداء أو تعسف خارجي من ذات أخرى، فلا يملك أي إنسان أن يسلب هذا الحق من أخيه الإنسان ولو كان ما يزال جنينا في بطن أمه لا يملك قرارا ولا اختيارا، ما لم تكن هناك شرائع إلهية أو قوانين وضعية تنص على مشروعية هذا السلب تحت مسمى "القصاص" أو "الإعدام"، أو ضرورات طبية وعلاجية تستلزم التدخل لإنقاذ حياة ذات على حساب ذات أخرى.

ولقد أكدت، أيضا، المواثيق الدولية والإقليمية على هذا الحق، حيث نصت المادة الثالثة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه" لكل فرد حق في الحياة والحرية وفى الأمان على شخصه"، و جاء في البند الأول من المادة السادسة من العهد الدول للحقوق المدنية والسياسية: " الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان. وعلى القانون أن يحمى هذا الحق. ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفا"، وفي البند الثاني من ذات المادة تقييد صريح لكيفية المساس بهذا الحق من خلال إنفاذ عقوبة الإعدام، حيث جاء فيها: " لا يجوز في البلدان التي لم تلغ عقوبة الإعدام، أن يحكم بهذه العقوبة إلا جزاء على أشد الجرائم خطورة وفقا للتشريع النافذ وقت ارتكاب الجريمة وغير المخالف لأحكام هذا العهد ولاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها. ولا يجوز تطبيق هذه العقوبة إلا بمقتضى حكم نهائي صادر عن محكمة مختصة".

لكن دعونا نضع هذا الشعار تحت مجهر بعض التساؤلات لنتبيّن مدى صوابيته وإن كنا لا نجادل في أحقيته: 

هل مقصود رافعي هذا الشعار هو حماية حق الإنسان –مطلق الإنسان-في الحياة صدقا وعدلا؟ أم هناك نوع خاص من هذا الإنسان هو الذي يستحق الحياة دون غيره؟ أليس من حق الجنين –وهو أصل تَخلُّق الإنسان-الذي اكتمل نموه في رحم أمه أن يكون له أيضا "الحق في الحياة"، لأن رافعي ذات الشعار ينادون بـ"الحق في الإجهاض" بلا قيد ولا شرط و"حرية المرأة في جسدها"؟؟!! 

هل الإنسان الذي يقتل بدم بارد أخاه الإنسان يستحق أن يكون له "الحق في الحياة" بعد أن أزهق روحا بريئة؟

هل الإنسان الذي يهتك براءة الطفولة غدرا أو إغراء في أقبية الظلام وسراديب العفن يستحق أن يستمتع بـ"الحق في الحياة" على مرأى ومسمع ممن اكتوت قلوبهم واحترقت مهجهم بفقدان فلذة من فلذات أكبادهم؟

هل الإنسان الذي يمارس أبشع أنواع الأذى في حق أخيه الإنسان سواء بالقتل أو الحرق أو بتر الأعضاء أو تمزيق الجسد إربا إربا أو الاغتصاب بمنتهى الوحشية... يستحق أن يهنأ ويعيش على أديم الأرض بعد كل فظائعه التي اقترفها، والتي لن تزول غُصتها من نفوس ذوي الضحية ولن يبرأ جرحها من قلوبهم، وإن جفّت دماء ضحاياهم، ولو أنزل القضاء بجناتهم عشرين أو ثلاثين سنة سجنا؟!!

هل الإنسان الذي تحلل من أرقّ وأجمل الصفات الإنسانية كالرأفة والرحمة والشفقة والإحساس بألم الآخرين... واستبدلها بصفات الوحوش المفترسة والجوارح الكاسرة يستحق أن يتمتع بـ"الحق في الحياة" إلى جانب ذوي الأفئدة الرحيمة والسلوكيات النبيلة؟

هل الإنسان الذي يخطط في السر والعلن لترويع الآمنين في بيوتهم أو مساجدهم أو أماكن تعبدهم وإرهابهم وإزهاق أرواحهم ظلما وعدوانا وتخريب ممتلكاتهم العامة والخاصة... يستحق إن بسط عليه سلطان القانون والقضاء يده أن نقول إنه له حقا في الحياة؟

فهل يستسيغ حكماء الفلسفة وفقهاء القانون وزعماء النضال الحقوقي وعقلاء الإنسانية أن يحمي المجتمع والقانون حق هذه العينات من البشر في الحياة؟

وهل يعقل أن يترافع ذي مُسكة عقل ضد تشريع أو تنزيل أقصى وأقسى العقوبات الزجرية في حق أمثال هذه الذئاب البشرية؟ أم أن المسألة ابتداء وانتهاء تضليل أيديولوجي وتعمية فكرانية، وحق أريد به باطل، القصد منه مناوأة أحكام وشرائع واهب الحياة الذي قال في محكم التنزيل: {ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب}، والقائل أيضا: {مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}؟