تحليل

محاربة كورونا والتعاون المغربي الصيني

جمال المحافظ

تؤشر المباحثات الهاتفية التي أجراها العاهل المغربي الملك محمد السادس، في بحر الأسبوع الجاري (الاثنين 31 يوليوز الماضي) مع الرئيس الصيني شي جينبينغ، التي تندرج في إطار علاقات الصداقة القائمة بين البلدين – كما جاء في بلاغ للديوان الملكي- على ما يبدو لمرحلة جديدة، قد تدخلها العلاقات المغربية الصينية، وذلك من خلال تدشين أفق جديد بين بلدين من افريقيا وأسيا، قوامه شراكة استراتيجية مبنية على قاعدة رابح-رابح.

بيد أن الجديد في هذه المباحثات التي تمحورت أيضا حول سبل “تطوير العلاقات الثنائية في جميع المجالات، ولاسيما الحوار السياسي، والتعاون الاقتصادي والمبادلات الثقافية والإنسانية”، يتعلق ب “الشراكة بين البلدين في مجال محاربة كوفيد 19  والمراحل المقبلة للتعاون العملي بينهما  في إطار جهود مكافحة هذه الجائحة.

وفي نفس السياق شكلت المباحثات فرصة لتقديم الشكر للصين لدعمها ومواكبتها للإجراءات الاحترازية الصارمة التي اتخذها المغرب من أجل الحد من انتشار الوباء، وذلك سواء على صعيد المعدات الطبية ووسائل الكشف المخبري أو في مجال تبادل المعلومات والخبرات. كما افاد بلاغ الديوان الملكي بأن العلاقات بين الرباط وبكين “ارتقت” بتوقيع الملك محمد السادس والرئيس شي جينبينغ، الإعلان المشترك المتعلق بإقامة شراكة استراتيجية، وذلك خلال الزيارة الملكية لبكين في ماي 2016.

وإن كانت العلاقات السياسية الاقتصادية والتجارية، قد شهدت تطورا ملحوظا في السنوات الأخيرة، فإن التعاون المغربي الصيني في المجال الصحي والطبي، سيمكن في ظل جائحة كوفيد 19 من فتح آفاق جديدة  لهذه العلاقات ويمنحها نفسا جديدا، خاصة  بعدما أثبتت الصين ريادتها على المستوى الدولي، حينما نجحت في الحد  من انتشار جائحة كوفيد 19، وجعلها تتوفر على تجربة فريدة في مواجهة هذا الوباء الفتاك واحتواء تداعياته.

وبهدف الاستفادة من الخبرة التي راكمتها  الصين في هذا المجال، كان المغرب قد أبرم  في 20 غشت الماضي اتفاقيتيْ شراكة مع المختبر الصيني “سينوفارم”  في مجال التجارب السريرية حول اللقاح المضاد لكوفيد-19، إذ من المتوقع أن يشرع المغرب قريبا في التجارب السريرية الخاصة باللقاح الذي طورته المؤسسة الصينية .وفي هذا السياق صرح وزير الصحة خالد أيت طالب، إن توقيع هاتين الاتفاقيتين بين المغرب والمختبر الصيني يرمى إلى إشراك المغرب في التجارب السريرية للقاح مضاد لـ “كوفيد 19.

ورجح آيت الطالب، الذى أكد أن ذلك سيسمح للمملكة، أن تضمن بأن يكون المواطن من بين الأوائل ممن سيتلقون التلقيح، أن يتمكن المغرب من إنتاج اللقاح قريبا جدا، في إطار تبادل الخبرة بين الرباط وبكين، مسجلا أن هذا اللقاح الواعد سيتم تجريبه أولا على متطوعين.

وكان الرئيس شي جينبينغ، أعلن مؤخرا إنه بمجرد تطوير اللقاح  الخاص بكوفيد-19 واستخدامه في الصين، سيصبح منفعة عامة عالمية، وستكون الدول النامية، وخاصة الإفريقية، من أولى الدول المستفيدة من هذا الإنجاز الصحي.

ومكنت الدينامية الجديدة التي تشهدها العلاقات بين البلدين، من أن يصبح المغرب الشريك التجاري الثاني للصين في القارة الإفريقية، في حين ما تمثل الصين الشريك التجاري الرابع للمملكة. غير أن الميزان التجاري بين البلدين ظل غير متكافئ، لفائدة الصين التي يمكن أن تمثل مستقبلا سوقا واعدة للمغرب، لا سيما في المجالين الفلاحي والسياحي، خاصة بعدما بلغ عدد السياح الصينيين بمختلف بلدان المعمور 100 مليون سائح سنة 2014.وفي هذا الصدد ساهم قرار إعفاء المواطنين الصينيين من التأشيرة في الرفع من عدد الصينيين الذين يختاروا  المغرب وجهة سياحية خارجية في المقابل لوحظ أن الصين أضحت وجهة تجارية واقتصادية للمهنين المغاربة ومنطقة جذب للطلبة المغاربة .

ويوفر الفضاء الإفريقي لكل من المغرب والصين، فرصة مهمة لتعزيز تعاونهما، الذي يمكن أن يستند  على شراكة استراتيجية ثلاثية الأطراف مغربية صينية إفريقية مبنية على قاعدة رابح-رابح ،تمكن المملكة من أن تصبح بالقارة شريكا أساسيا للصين التي تعد الزبون التجاري الأول لإفريقيا

وفي الوقت الذى قررت بكين الرفع من مبادلاتها التجارية مع القارة إلى 400 مليار دولار، واستثماراتها المباشرة إلى 100 مليار دولار، فإن الشراكات القائمة بين المغرب والبلدان الإفريقية، بدورها شهدت تزايدا ملحوظا، خاصة في ميادين الصحة والسكن الاجتماعي، وتوفير الماء الصالح للشرب، والطاقة الكهربائية والأمن الغذائي، فضلاً عن مشاريع تهم بعض القطاعات المنتجة كالفلاحة والصناعة والبنيات التحتية والخدمات والأبناك والتأمينات والاتصالات.

كما يتقاسم الصين والمغرب المرتبطين بعلاقات تاريخية عريقة، النظرة ذاتها في ما يتعلق بكون المساعدات التي يقدمانها للبلدان الإفريقية، تندرج في إطار التضامن لتحقيق التنمية المستدامة وتحفيز الاقلاع الاقتصادي لدول القارة. ومنذ سنة 2002،ألغى  المغرب جميع الديون المستحقة للمملكة على الدول الإفريقية الأقل نموا، مع فتح المجال لصادراتها لولوج السوق المغربية بدون قيود أو شروط.

ومن جهته تعهد المغرب بمساعدة الدول الإفريقية، لا سيّما الواقعة جنوب الصحراء، في إنجاز مشاريعها التنموية، في الوقت الذى كانت الصين قد قررت من جانبها اتخاذ عدة تدابير تهدف بالخصوص إلى التقليص أو الإلغاء الكامل للديون المستحقة لفائدتها على الدول الفقيرة الأكثر مديونية والأقل نموا.وفي سنة 2006  أكد الملك محمد السادس على أن المغرب سيواصل مشاطرة الصين التجربة التي راكمها بإفريقيا، في سبيل تحقيق تعاون ثلاثي غني ومتنوع، على أساس شراكة مربحة لكل الأطراف، وعلى قاعدة أن  تساهم هذه المشاريع والطموحات المشتركة، في تحقيق التنمية الاقتصادية والبشرية في القارة الافريقية التي تظل رهينة بضمان أمن واستقرار بلدانها، واحترام سيادتها ووحدتها الترابية.

إذن، تشكل القارة الإفريقية مجالا حيويا لتطوير الشراكة بين المغرب والصين. غير أن تكريس هذه الشراكة بين البلدين، يتطلب تعزيزها عبر حوار سياسي منتظم، وتعاونا اقتصاديا شاملا، وتنسيقا للمواقف في المحافل والمنتديات الدولية، ودعم المبادرات الثنائية على المستوى الإقليمي ومتعدد الأطراف والدولي.

فالصين التي تعد ثاني أكبر اقتصاد وأكبر مورد ومصدر للسلع في العالم ويحقق اقتصادها نموا سنويا قياسيا بنسبة 9 في المائة، يمكنها أن تشكل بوابة للمملكة للولوج أسواق آسيوية جديدة، في الوقت الذى يمكن للمغرب أن يشكل بموقعه الجغرافي لبنة إضافية للصين لتنمية تجارتها تجاه أوربا وافريقيا.

وفي هذا السياق، تساهم التحولات السياسية والاقتصادية التي تشهدها الصين، في دعم هذا التوجه بقيادة الرئيس شي جينبينغ  الذي أكد سنة 2017 أمام المشاركين في  المؤتمر الحزب الشيوعي الأخير ” ان الانفتاح يجلب التطور والانغلاق يعيدنا إلى الخلف”. وقال أن “الصين لن تغلق أبوابها، بل ستضاعف هذا الانفتاح” ملتزما بالعمل على ادخال مزيد من الاصلاحات وتعزيز دور السوق وإنصاف الشركات الاجنبية والتعامل معها على قدم المساواة فضلا عن  ادخال مرونة أكبر  على شروط الولوج  إلى السوق، ومواصلة تحرير سوق العملات”، وهو ما يشكل في حقيقة الأمر مرحلة جديدة تدخلها السياسة الاقتصادية بالصين التي تحتل المرتبة  الثانية عالميا، بناتج محلى للصين انتقل خلال السنوات الاخيرة شر من 54 تريليون يوان ( 8.2 تريليون دولار) الى 80 تريليون يوان ليسهم بأكثر من 30 في المائة من النمو الاقتصادي العالمي ،مما مكن أزيد من 60 مليون شخص من مغادرة عتبة الفقر .