رأي

سعيد بنيس: الانتقال الجامعي بالمغرب.. من الجامعة المتمركزة إلى الجامعة الترابية

عن صفحة الباحث الحامعي بالفايسبوك

في إطار ربط الجامعة المغربية بمحيطها ليس فقط المحيط الاقتصادي كما دعت له جميع مشاريع الإصلاح بمنطق حصري، يتوجب كذلك وبمنطق منفتح ربطها بمحيطها الترابي و البشري والثقافي والاجتماعي والتاريخي وأن تنصب المشاريع البحثية والعلمية على متابعة المواضيع التي تشغل التراب التي يحتضن الجامعة، والظواهر التي أصبحت تؤثر فيه، واسترجاع أنفاسها من أجل تحليل وفهم الإشكالات الجهوية والمحلية. ومن شأن هذا الاهتمام والمتابعة العلمية أن يسهم في تقديم مقترحات حلول ترفع من مكانة وتأثير الجامعة في محيطها المحلي والترابي، ليتم الانتقال من جامعات متمركزة إلى جامعات ترابية على أساس رؤية جامعية للمملكة المغربية تفعل إطار الجهوية المتقدمة.

تجدر الإشارة إلي أن مشاريع إصلاح التعليم العالي ركزت في مجملها على المخرجات في علاقتها بسوق الشغل، دون ربط هذه المخرجات بمنظومة القيم الرمزية، لا سيما منها العيش المشترك والرابط الاجتماعي والانتماء الترابي والهوية؛ ففي حالة ربط البحث العلمي الجامعي بمنظومة القيم ستنكب الجامعة في صيغتها الترابية على دراسة علمية ترابية لظواهر من قبيل الانتحار والمخدرات والتسول والتشرميل وشرع اليد والاغتصاب والعنف والحريك والبطالة وإشكالات السلم الاجتماعي والأمن الغذائي والاقتصاد المحلي  والإيكولوجيا المائية والتوقعات الوبائية (الأمراض المحلية) وغيرها، وتشخيص قدرة الموارد والثروات المحلية المادية منها وغير المادية على خلق مناخ للتنمية يحتضن شباب الجهة ويضمن اندماجهم في ترابهم الذي سيتحول من جامعة متمركزة أي ملحقة إدارية للمركز إلى قطب يسهم في الاندماج المحلي وضمان العيش الكريم وتكافؤ الفرص.

من هذا المنطلق، ستستفيد الجهة الحاضنة وستتحول الجامعة من مؤسسة متمركزة للتكوين إلى مؤسسة مواطنة لها سلطة اقتراحية تمكن الفاعل السياسي والمدني المحلي والجهوي أن يقررا في تنمية التراب شرط أن تقبل الدولة المركزية بتقاسم الخيرات المادية والرمزية مع الجهة التي تقوم على مبادئ احترام التنوع والتعددية ونبذ ثقافة الكراهية والعنف في أفق تعميق التماسك الاجتماعي وتثبيت العيش المشترك وتنمية اقتصادية متكافئة لجميع الجهات في احترام تام للدستور المغربي والمؤسسات ولوحدة المملكة المغربية .

في هذا السياق، يمكن أن نستشرف مشاريع اصلاح جامعي ترابية (Réformes universitaires territorialisées) تؤسس على دور الجامعة في الرفع من تنافسية الجهة على المستويين الوطني والإقليمي على أن يشكل التراب وعاء منطقيا للتفاوض والمشاركة الجماعية لاحتواء الشباب العاطلين عن الشغل؛ وذلك بخلق مدارات علمية وجامعات ترابية الغرض منها إبداع مبادرات محلية يتم تأطيرها مؤسساتيا وقانونيا بحسب السياق المحلي والوطني في خضم الانتقال التنموي، لا سيما مع بروز وتجدر مقولة ما يعرف بدولة التخلي أو دولة الحد الأدنى .

كما يظل مقترح جامعة ترابية غير متمركزة تعتمد تدبيرا يقوم على منح استقلالية مالية ومسؤولية مباشرة لمجموع الفاعلين المحليين وتكفلهم بالعملية التنموية في جميع جوانبها كبديل ترابي للدولة في تدبير الشأن المحلي رهين شرط تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية وإنعاش الطبقة الوسطى ووقف سيرورة الإحباط الجهوي ومنع مراكمة الثروة من لدن فئة ترابية بعينها دون غيرها.