رأي

خليل البكراوي: "التعليم عن بعد" بين حتمية التطبيق ومسؤولية التنفيذ

منذ أن حلت جائحة كوفيد 19، أصبح  موضوع "التعليم عن بعد" موضوع الساعة، ومحط اهتمام المدرسين، والمتعلمين، والباحثين، وكل المتدخلين في الشأن التربوي، باعتباره وسيلة تعليمية جديدة فرضت ذاتها بذاتها بشكل حتمي ومفاجئ، ولم تكن أبدا وسيلة اختيارية من طرف المدرسين أو المتعلمين، بقدرما كانت قبل ذلك بوقت قريب مسألة أقرب إلى "الترف التربوي".
وقبل أيام قليلة أصدرت وزارة التربية الوطنية بلاغا تُقر فيه باعتماد "التعليم عن بعد" كصيغة تربوية في بداية الموسم الدراسي الحالي(..)، مع توفير تعليم حضوري بالنسبة الذين  سيعبر أولياء أمورهم، عن اختيار هذه الصيغة" التربوية. وما دام لكل مقام مقال، ولكل حادث حديث كما قالت العرب قديما، هل يمكن اعتبار "التعليم عن بعد" أقل نجاعة من التعليم الحضوري في العملية التعليمية التعلمية أم العكس صحيح؟ الجواب بسيط جدا، "التعليم عن بعد" و"التعليم الحضوري" وجهان لعملة واحدة، كلاهما يؤديان إلى نفس الهدف، وإذا لم تتم المجازفة في القول، يمكن اعتبار "التعليم عن بعد" أكثر نجاعة من "التعليم الحضوري"  في تلبية حاجيات المتعلم المعرفية وتنمية كفاياته حسب شروط العصر ومتطلباته، لأنه يُتيح للمتعلم فرصة لتطوير مهاراته التي يحتاجها آنيا ومستقبليا، إذا ما وجد بيئة مناسبة حاضنة لهذه الصيغة التربوية.
لكن ما يُسجل على مستوى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي سواء من طرف المدرسين أو المتعلمين وأولياء أمورهم وباقي الفاعلين التربويين؛ هو غياب رؤية واضحة  لديهم عن صيغة "التعليم عن بعد"، وهذا أمر عادي جدا، فهذه الصيغة التربوية كما تمت الإشارة سالفا تم تطبيقها بشكل مفاجئ وحتمي، "فأخاك مضطر لا بطل"، كما أنها لم تُحقق بعد تراكما سواء على مستوى التطبيق العملي أو على مستوى التنظير الأكاديمي، على عكس باقي البلدان العربية والغربية على وجه الخصوص، التي كانت سبّاقة إلى هذا النمط التربوي، ولو على مستوى التجريب، فمحركات البحث نجدها حُبلى بالدراسات الأكاديمية العلمية التي تمت حول "التعليم عن بعد" وعلاقته بخلق الدافعية نحو التعلم لدى المتعلم، بالإضافة إلى استراتيجياته؛ كاستراتيجية الصف المعكوس، واستراتيجية الرحلات المعرفية، واستراتيجية التعلم الإلكتروني، واستراتيجية التعلم المدمج أو الممزوج، وغيرها كثير من الاستراتيجيات كلها ذات نفع وجدوى، ويمكن الاستعانة بها.
وهذه الاستراتيجيات التي يتم تطبيقها في صيغة  "التعليم عن بعد" قد حققت نتائج إيجابية ومُبهرة على مستوى التحصيل الدراسي عند المتعلمين، وذلك بشهادة نتائج دراسات أكاديمية علمية لخبراء في مجال التربية والتعليم، وذلك عن طريق المقارنة ما بين  عينة من المتعلمين تم تدريسهم عن طريق "التعليم عن بعد" وتوظيف التكنولوجيات الحديثة في ذلك، وما بين عينة من المتعلمين تم تدريسهم بطريقة تقليدية تعتمد على التعليم الحضوري فقط.
ورغم وجود بعض الصعوبات التي تعترض  "التعليم عن بعد" على مستوى التطبيق، فقد يمكن تذليل  هذه الصعوبات، وتحقيق نجاح التجربة، إذا ما تظافرت جهود الجميع، ووجود بيئة حاضنة مناسبة لهذا النمط التربوي، بدءا من المدرس والمتعلم،  مرورا بالأسرة والمحيط، وصولا إلى هيآت المجتمع المدني والإعلام، وباقي الشركاء، فإذا قام كل واحد من هذه العناصر المذكورة، بالدور المنوط به، وفق ما تمليه عليه  المسؤولية الأخلاقية والروح الوطنية، والواجب أيضا، سيتم تحقيق النجاح بكل تأكيد.
وطبعا؛ يبقى التعليم تعليما سواء كان عن بعد أو حضوريا، فقط تختلف الوسائل، أما الغاية؛ فهي واحدة، تربية النشء وتثقيفه، وصناعة من طفل اليوم مواطنا صالحا ليوم الغد،  ويجب أن لا ننس أن مجال التربية والتعليم مجالا لا يقبل المزايدة السياسية أو الإعلامية(..)، ويعتبر  قضيتنا الثانية بعد قضية وحدتنا الترابية.
ويكفي أن نستحضر توجهات الملك محمد السادس في مجال التربية والتعليم، ففي كل الخطب والرسائل(..) التي تطرقت إلى هذا الموضوع، أكد  فيها على ضرورة توفير تعليم جيد لجميع أبناء المغاربة، ويستجيب لطبيعة المرحلة ومتطلبات هذا العصر، معتبرا أن قضية التعليم؛ قضية تهم الجميع.
 ففي رسالة وجهها الملك إلى المشاركين في “اليوم الوطني حول التعليم الأولي”، الذي نظم بتاريخ 18 يوليوز 2018، بالصخيرات، أكد فيها على أن "إصلاح التعليم هو قضية المجتمع بمختلف مكوناته، من قطاعات حكومية وجماعات ترابية ومجالس استشارية ومؤسسات وطنية وفاعلين جمعويين ومثقفين ومفكرين، دون إغفال الدور المركزي والحاسم للأسرة في التربية المبكرة للأطفال، ومتابعة مسارهم الدراسي وتقويمه(...)، فهذا الورش الوطني الكبير يقتضي الانخراط الواسع والمسؤول للجميـع".