قضايا

هكذا أظهرت العدالة والتنمية احترافها لفنون الهروب والمناورة

رشيد لزرق*

دأبت العدالة والتنمية منذ وصولها لرئاسة الحكومة، على تدبير مصالحها دون تحمل المسؤولية السياسية، وفي اللحظات الصعبة تعمل على نهج أسلوب التجاوز والمزايدة.
وأسلوبها هذا يرجع لكون الحزب يتقوى دوما  بخطاب المظلومية والتظاهر بأنه الحزب  المستهدف، ومن تم  كان  تحمل المسؤولية يربكهم، ويؤدي بهم لللإنقسام والخلاف، والحرب على  المواقع  التي بدأت تخرج للعلن.
والسبب في ذلك  أنهم وجدوا أنفسهم في حرب الأجنحة التنظيمية، إذ يتصارعون من أجل السلطة، فهناك صراع تنظيمي داخل الحزب  بغية  حصول ممثلي كل جناح على مواقع متقدمة في الحكومة و البرلمان ومؤسسات الدولة،  تمكنهم من استعادة الوجاهة والنفوذ.  
وذلك بعد بروز ظاهرة الأغنياء الجدد.
فنظرية الإستهداف هذه كانت تمكنهم من امتصاص الطموحات.
وبالتالي  فإن قياداتهم تحاول من جديد  تقوية نظرية الإستهداف وإمكانية الضبط الذاتي، بإشاعة كونهم في تفاوض مع "الفوق" و ذلك بغية لجم  التضاربات التنظيمية واضعاف شركائهم في الحكومة ؛ ومغازلة المعارضة التي تبدو بدون أمل لتكون البديل.
خاصة بعد تنبيه الدولة  بأن  الانتخابات ستجرى  في وقتها المحدد. لهذا فان تحضير الإنتخابات يبدأ عندهم  بوضع  أكبر قدر ممكن من أعضائهم في المناصب العليا، التي لها علاقات مباشرة بما هو اجتماعي، ويراهن عليه عند الإستحقاقات الإنتخابية.  
وفي نفس الوقت  تحاول  العدالة التنمية، اللعب على تناقضات خصومها، فدعم الصراع داخل التجمع الوطني للأحرار كمنافس محتمل هو محاولة من أجل  تبرير حصيلته السلبية.
في وقت يعرف فيها الاقتصاد الوطني اخطر منعرج على الإطلاق.
لقد اتجهت العدالة التنمية نحو اشاعة امكانية عودة سيناريو 2007 بعدم تغطية جميع الدوائر الإنتخابية، بهدف شحن الأجواء و تبرير فشلها التدبيري. و توفير أجواء المساومة على ملفات الفساد والإختلالات التدبيرية، وكذلك الملفات الجنائية المعروضة على القضاء.
لهذا فإن على رئيس الحكومة باعتباره المسؤول السياسي الأول على الحصيلة الحكومية، ومن خلال ما يلزمه هذا الموقع اخلاقيا وسياسيا ضرورة التنسيق مع الأغلبية و تقديم الحصيلة الجماعية، وذلك  من خلال مؤسسة  رئاسة الحكومة التي يلزمها القيام بالسهر على التوافق وحث الأحزاب على إعادة تقريب وجهات النظر.
لكن من الاكيد ان شيئا  من هذا لن يتم، فمنطق العدالة والتنمية هو مصلحة الحزب قبل مصلحة الوطن، كما أن الوضوح السياسي يضعف العدالة التنمية، لهذا نجدها تحاول توسيع المجال التحالفات السياسية، لكي تضع شركائها في الزاوية الضيقة، بعد لمسها السخط الشعبي على السياسات اللا شعبية و جسامة التحديات الإقتصادية القادمة، والتي لا تستطيع مجاراتها، إذ أن الدفاع عنها بشكل مسؤول يترجم إلى نهاية وشيكة لها.
لهذا فالدال والتنمية  تحاول الهروب من تحمل أتعاب المسؤولية السياسية، لكونها تتخوف من خسارة الإنتخابات، لهذا فهم في الحزب يحاولون إظهار العثماني بمنطق الرجل الضعيف، وأنه ليس هو رئيس الحكومة الفعلي.
بعدما كانوا يعتبرونه منظر الحزب قبل تعيينه رئيس للحكومة.
إن العدالة التنمية اظهرت خلال سنوات حكمها، أنها محترفة لفنون الهروب والمناورة، وباللعب على كل الأوتار لتجنب الظهور في الواجهة و الوضوح.
لهذا فانها تحشد المعارضة لضرب بعض حلفائها، كما تمارس عملية الضغط من وراء الستار باستغلال أطماع الأحزاب الصغيرة، كما فعلت مع التقدم والإشتراكية سابقا، لتجميل صورتها خارجيا أو المعارضة اليسارية، ورمي المسؤولية على حلفائها في الحكومة لإنقاذ نفسها من تحمل المسؤولية والمحاسبة في حال الفشل.
كلنا نعاين اليوم الدفع بالموالين لها في المناصب التي لها عائد انتخابي.
في مقابل ذلك  فالآخرون منشغلون بالمناصب التي لها عائد مالي، بشكل فج.
لكونهم في نهاية مسارهم السياسي كما هو الحال في  التعيينات الاخيرة بمجلس ضبط الكهرباء.
في مقابل ذلك اتجهت العدالة والتنمية الى تكثيف التعيينات في المناصب كما هو دائما قبل كل الإستحقاقات، للمتعاطفين معها دون الانخراط فيها علنيا، وبذلك فانها تضرب عصفورين بحجر، أولا ببقائها في الحكم وتنفيذ سياساتها من  وراء الستار وثانيا عدم تحمل مسؤوليتها عند الفشل.
*أستاذ العلوم السياسية