تحليل

سبعة مفاتيح لقراءة خطاب الملك بمناسبة ثورة الملك والشعب

رشيد لبكر

ربما لأن العديد من المغاربة فقدوا الثقة في خطابات المسؤولين عن القطاعات التي يشرفون عليها، وأن البعض منهم ألف الركون إلى شماعة "المؤامرة" للتحرر من أي التزام يفرض عليها تغيير نمط حياتهم والاستجابة للتدابير غير المألوفة لديهم، فقد اختار جلالة الملك محمد السادس في خطاب ذكرى ثورة الملك والشعب، أن يكلم المواطنين بمنتهى الوضوح وبكل الواقعية الممكنة، ليتحمل كل طرف في البلاد مسؤوليته التاريخية في مواجهة الوباء، حتى لا تستفحل الأمور أكثر مما هي عليه الآن.
 وفي قراءتي المتواضعة للخطاب الملكي، يمكن استنتاج بعض النقط أبسطها كما يلي:
 اولا :- ردا على من يزال يشكك في وجود الوباء، كانت إشارة جلالة الملك واضحة وحاسمة عندما قال: "يجب التأكيد على أن هذا المرض موجود؛ ومن يقول عكس ذلك، فهو لا يضر بنفسه فقط، وإنما يضر أيضا بعائلته وبالآخرين"،  وهذه تأكيد مهم في اعتقادي، على اعتبار أن المغاربة وأمام تضاؤل منسوب الثقة لديهم اتجاه السياسيين، أضحت ثقتهم كاملة فيما يقوله جلالة الملك، وبالتالي فهذا الخطاب، هو بمثابة صعقة نفسية كان لا بد منها، لقطع الشك باليقين وإيقاظ الواهمين من غفلتهم، و من الواضح، أنها ستسفر مستقبلا عن تعامل أكثر تشدد مع كل المستهترين  بالوضع والمتراخين في الالتزام بالواجب الوطني اتجاه محاربة الجائحة.
 
ثانيا:- زيادة في التوضيح، وقف الخطاب على مسألة أخرى، لا تقل أهمية عن سابقتها، ولاسيما في مجال التوعية و التنبيه إلى خطورة المرض، وذلك عندما أشار جلالته إلى أن: "المرضى لا تظهر عليهم الأعراض، إلا بعد 10 أيام أو أكثر، إضافة إلى أن العديد من المصابين هم بدون أعراض. وهو ما يضاعف من خطر انتشار العدوى، ويتطلب الاحتياط أكثر...فهذا المرض لا يفرق بين سكان المدن والقرى، ولا بين الأطفال والشباب والمسنين". أهمية هذه الإشارة تتجلي في تفنيد جلالته لبعض المغالطات التي ساهمت في استفحال وتيرة العدوى، ومنها أن الداء لا يصيب إلا كبار السن، وهو في الفضاء المغلقة بالمدن هو أكثر انتشار مقارنة بالبوادي، فمثل هذا الاعتقادات وإن كان لها نصيب من الصحة، فإن خطرها، كما أومأ إلى ذلك جلالته، يكمن في كونها تؤدي إلى ارتفاع نسبة انتقال الإصابة من أشخاص لا أعراض لهم ولا سيما فئة الشباب إلى ذويهم وأقربائهم وخاصة إذا كانوا من كبار السن أو من هم في وضعية صحية هشة، وهنا مكمن الخطر، الذي يدعو الجميع إلى التحلي بأكبر قدر من الاحتياط  والمسؤولية، لأجل ذلك، فهذا الخطاب ينطوي – في ظني- على مضمون إعلامي وحمولة تواصلية هامة، لا شك أنها ستهم في الرفع من مستوى الوعي بخطورة المرض، ليس لأنه يحمل معلومات جديدة، بل لأنه عَرْض هذه المعلومات والتأكيد عليها، جاء هذه المرة من جلالة الملك شخصيا، ومن هذه الزاوية، أرجو أن يحظى هذا الخطاب بنقاش واسع حتى يصل مضمونه إلى كل الشرائح المجتمعية.
 ثالثا:- في نقطة أخرى، ربط جلالته بين واجب التحلي بالوطنية واحترام التدابير الصحية الوقائية، كارتداء الكمامات، واحترام التباعد الاجتماعي، واستعمال وسائل النظافة والتعقيم، وقال في هذا الباب: "إن الوطنية تقتضي أولا، الحرص على صحة وسلامة الآخرين؛ ولأن التضامن لا يعني الدعم المادي فقط، وإنما هو قبل كل شيء، الالتزام بعدم نشر العدوى بين الناس". وعليه، فجلالة الملك، يوضح من خلال هذه النقطة، أن التزام الدولة بالدعم المادي للأسر التي فقدت مصدر رزقها، كان مشروطا بواجب الالتزام بشروط الوقاية، والذي هو من صميم المواطنة، وإلا فما معنى أن يستمر الدعم لفائدة من يستهترون بهذه الشروط، ففي هذه الحالة، ربما ستتحول الجائحة إلى فرصة للاسترزاق لفائدة من يسْتَحْلًون بقائها، وبالتالي سيمعنون في التراخي والاستهتار، غير آبهين بالجهود المضنية التي تبذلها الدولة في سبيل توفير الإمكانات الضرورية لتمويل هذا الدعم، وهذا شيء غير منطقي ولا معقول على الإطلاق، لذا فما يفهم من خطاب جلالة الملك، أن الدولة لن تستمر في مزيد من الدعم لأنها استنزفت كل طاقتها، وأن التضامن يفترض مآزرة الجهد الذي بذلته بمزيد من الحيطة والحذر، حتى لا نكون في وضعية من يصب الماء على الرمل.
رابعا:- من الإشارات الهامة التي تضمنها الخطاب الملكي أيضا، قوله : " وبدون الالتزام الصارم والمسؤول بالتدابير الصحية، سيرتفع عدد المصابين والوفيات، وستصبح المستشفيات غير قادرة على تحمل هذا الوباء، مهما كانت جهود السلطات العمومية، وقطاع الصحة". يفهم من هذا، أن جلالة الملك، يثمن المجهودات التي يبذلها العاملون في القطاع الصحي، ويرد على المنتقدين لما يقوم به هؤلاء من تضحيات،  أو لمن لهم غاية في تسييس هذا النقد، بأن الجهود مهما تضاعفت، فإنها ستنهزم بلا شك، أمام فداحة التراخي وخطورة عدم الالتزام الصارم والمسؤول، وكأنني به يقول، قبل نقد مجهودات قطاع الصحة، على كل واحد منا، القيام بمحاسبة نفسه وانتقاد سلوكه أولا، لكي يجب بموضوعية على السؤال: هل أنا ملتزم بالتدابير الصحية أم لا؟
 خامسا:- عندما يقول جلالته في الخطاب ما يلي: " إذا استمرت هذه الأعداد في الارتفاع، فإن اللجنة العلمية المختصة بوباء كوفيد 19، قد توصي بإعادة الحجر الصحي، بل وزيادة تشديده"، فهو يؤكد من جديد أنه مواطن كغيره من المواطنين، يمارس وظيفة الحكم في الشروط التي يحددها الدستور ويقدر جيدا حدود مسؤولياته، لذا فقد أفصح بشكل واضح لا لبس فيه، بأن قرار العودة إلى الحجر الصحي، مسألة واردة، ولكنه ليس هو الجهة التي ستبث في إقرارها أم لا...، بل أحال الأمر فيها إلى أصحاب الاختصاص، وهم  اللجنة العملية المكلفة بتتبع وباء كوفيد 19، وهذا تأكيد على وطنيته واحترامه لمؤسسات الدولة، ولكأني به يرد من الآن على المهاجمين لقرار العودة بالقول، أن صحة الوطن فوق الجميع وأن الوضع الوبائي لا يقبل المزايدات، وأن ما ستقرره اللجنة العلمية المختصة في حينه سيشمله النفاذ، وهذا في ظني، إشارة إلى ما تتمتع به اللجنة العلمية من حرية في اختيار القرار، وأن قراراتها ستكون مسنودة بالمعطيات العلمية وأن جلالة الملك يحميها من أي ضغوطات أو تدخلات من جهة ما. 
 سادسا:- من النقط الهامة التي جاءت في الخطاب الملكي أيضا، دعوته إلى: " كل القوى الوطنية، للتعبئة واليقظة، والانخراط في المجهود الوطني، في مجال التوعية والتحسيس وتأطير المجتمع، للتصدي لهذا الوباء".  وبظني، أن هذا النداء موجه بالخصوص إلى الأحزاب و جمعيات المجتمع المدني، كي تقوم بعملها في التأطير والتحسيس ومد يد المساعدة في حدود مسؤولياتها، وهو من جهة أخرى، توجيه للسادة العمال والولاة ورجال السلطة عموما، الذين ضيقوا من مساحة تحرك الجمعيات في مجال محاربة الوباء، بأن يبادروا إلى خطة إشراك هذه الجمعيات والاستفادة من تجاربها وتغلغلها في المجتمع، في إطار التعبئة الوطنية الشاملة واحترام التدابير الصحية.
سابعا:- تأسيسا على النقطة السابقة، لا بد من توضيح مسألة هامة، حتى لا يؤول الخطاب الملكي في اتجاه غير صحيح، وهي أن جلالته، لا يقول بحتمية الرجوع إلى الحجر الصحي، ولكنه، يرهنه باستفحال الوضع وفق ما ستقرره اللجنة العلمية المختصة، وبمفهوم المخالفة، فكلامه يعني، أن تحسن الوضع الوبائي، عن طريق الالتزام الشخصي والمسؤول بشروط الوقاية الصحية، هو السبيل لتجاوز هذا الإجراء الذي قد ، نقول قد، يكون " الشر" الذي لا بد منه، وهذا ما يفهم من قول جلالته: " إن خطابي لك اليوم، لا يعني المؤاخذة أو العتاب؛ وإنما هي طريقة مباشرة، للتعبير لك عن تخوفي، من استمرار ارتفاع عدد الإصابات والوفيات، لا قدر الله، والرجوع إلى الحجر الصحي الشامل، بآثاره النفسية والاجتماعية والاقتصادية."...فعلينا إذن أن نختار…


رشيد  لبكر أستاذ القانون العام  كلية الحقوق سلا