رأي

سعيد لكحل: خطط "البيجيدي" لإنهاك الدولة وتفقير الشعب

الولاية الأولى لحكومة العدالة والتنمية كانت كافية لتثبت للمغاربة أن هذا الحزب عديم الخبرة والكفاءة والدراية بإدارة شؤون الدولة العصرية. يمكن لأي حزب كان أن يتدارك نقصه بالانفتاح على الكفاءات الوطنية والاستفادة من تجارب الدول والشعوب في خلق فرص التنمية وتنويع موارد الدولة عبر دعم وجلب الاستثمارات؛ لكن "البيجيدي" لن يفعلها حتى وإن ظل على رأس الحكومة لولاية ثالثة لا قدر الله. والسبب في ذلك ذاتي يعود إلى منظومته الإيديولوجية المستمدة من تنظيرات دعاة الإسلام السياسي وإرث "الدولة السلطانية" وليس موضوعيا تتحكم فيه الإكراهات الاقتصادية والاجتماعية؛ ذلك أن "البيجيدي" لم يتمثل بعد مفهوم الدولة الحديثة ومسؤوليتها في توفير الخدمات للمواطنين.

إن الدولة بالنسبة لـ"البيجيدي" هي ذاك الكيان القائم على الغلبة والهيمنة على الموارد المالية والاقتصادية، دولة ريعية تستند ماليتها على المداخيل الجبائية بدل تنويع الموارد وتشجيع الاستثمارات وتطوير الاقتصاد. وهذا نفسه إطار الدولة الإمبراطورية/السلطانية القائمة على الفيء والغنيمة والفتوحات.

وما دام "البيجيدي" محكوما بهذا الإطار المرجعي فلن يطور اجتهاداته بخصوص مالية الدولة وطرق تنميتها وصرفها. ومن أجل توفير الموارد المالية الضرورية لإدارة دواليب الدولة والتخفيف من أعبائها المالية، لجأ "البيجيدي" إلى أسهل الطرق التي لا تكلف الدولة استثمارات ولا تحملها تكاليف.. ومما لجأت إليه الحكومة التي يرأسها لولايتين متتاليتين:

1 ــ إلغاء دعم المحروقات والمواد الأساسية مما نتج عنه ارتفاع مهول في الأسعار وضرب مباشر للقدرة الشرائية لغالبية الفئات الاجتماعية دون اتخاذ تدابير موازية لحماية الطبقات الهشة؛

2 ــ تحرير أسعار المحروقات مع وضع قانون يكبّل سلطات الدولة لمنع الاحتكار ورفع سعر المحروقات (التهديدات السخيفة بالتسقيف التي أطلقها لحسن الداودي، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالشؤون العامة والحكامة سابقا، ضد شركات توزيع المحروقات والتي لم تزدها إلا تغوّلا). فالحكومة ليس في مصلحتها تخفيض أسعار المحروقات ولا الضرائب والرسوم المفروضة لما سيترتب عنه من تخفيض في عائدات الضريبة على هذه المادة (رسم "الضريبة على الاستهلاك الداخلي" الذي يطبق على البنزين ويبلغ 3.76 درهما عن كل لتر، و2.422 درهما عن كل لتر من الغازوال، بالإضافة إلى الضريبة على القيمة المضافة ورسوم أخرى)؛

3 ــ إلغاء التوظيف والترقي بالشهادات وتجميد الترقيات، الأمر الذي حرم الموظفين من الترقي الإداري وتحسين دخولهم وأحوالهم الاجتماعية والمادية، بينما وفّر لخزينة الدولة مبالغ مالية مهمة على حساب الموظفين؛

4 ــ التشغيل بالتعاقد الذي يحرم الموظفين من فرص الاستقرار النفسي والمهني والأسري ويجهز على حقوقهم المادية والاجتماعية (الترسيم، التقاعد..). فما يهمّ الحكومة ليس ما تقدمه الدولة من خدمات وفرص للترقي الاجتماعي للمواطنين (موظفين ومتعاقدين)، بل ما توفره من أموال؛

5 ــ تغيير نظام التقاعد الذي أجهز على المكتسبات المادية والاجتماعية للموظفين عند إحالتهم على التقاعد؛

6 ــ تجميد الاستثمارات العمومية، حيث صادق مجلس الحكومة يوم 4 أبريل 2013 على مشروع مرسوم رقم 2-13-285 يتعلق بوقف تنفيذ 15 مليار درهم من نفقات الاستثمار المقررة برسم السنة المالية 2013؛

7 ــ تخفيض ميزانيتي التعليم والصحة (مثلا قانون المالية لسنة 2017 سجل تراجعا فيما يخص ميزانية 13 وزارة، حيث تقلصت ميزانية "التربية الوطنية والتكوين المهني" بنسبة 2.42 في المائة (44.646.498.000 درهم)،كما انخفضت ميزانية الصحة بنسبة 1.16 في المائة (14.114.752.000 درهم)، ثم وزارة "التشغيل" التي انخفضت ميزانيتها بـ 0.48 في المائة (525.393.000 درهم)؛

8 ــ الاقتراض الخارجي، إذ لم تكْفِ الحكومة عشرات الملايين التي وفّرتها من قراراتها المجحفة في حق المواطنين، بل ظلت طوال الولايتين الأولى والثانية تحصل على القروض الخارجية حتى بلغت المديونية مستويات قياسية لم تبلغها أية حكومة منذ الاستقلال (92% من الناتج الداخلي الخام). واللجوء المفرط إلى الاقتراض سيؤدي إلى زيادة استنزاف ميزانية الدولة، خلال السنوات المقبلة، (حوالي 15 % من إجمالي النفقات، ستؤديها الدولة، خلال 2020، أي أزيد من 96 مليارا من أصل الدين والعمولات والفوائد).

لقد سبق لعبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة السابق، أن برر الإقدام على مثل هذه القرارات بتحسين الخدمات الاجتماعية (التعليم والصحة) ودعم الفئات الاجتماعية الفقيرة والهشة؛ لكن الواقع يشهد على اتساع دائرة الفقر والبطالة والتهميش، إذ في الوقت الذي تتخذ فيه حكومتا "البيجيدي"، في نسخها المعدلة، القرارات التي تستهدف القدرة الشرائية للمواطنين وحقوقهم الاجتماعية، نجدها تواصل إعفاء القطاع الفلاحي من الضرائب، خاصة الفلاحين الكبار، فضلا عن الدعم المخصص للآليات والتجهيزات الفلاحة والذي قد يصل إلى 100 % ناهيك عن منحة 2000 درهم عند ولادة كل عجل). ومما يزيد من استفحال الأزمة المالية للدولة، تغاضي الحكومة عن تملص غالبية الشركات من أداء الضريبة (2 في المائة فقط من الشركات تؤدي 80 في المائة من الضريبة على الشركات)، بالإضافة إلى الإعفاءات الضريبية لفائدة قطاعات لا تؤدي أي وظيفة اجتماعية أو إنتاجية، (36 مليارا درهم كإعفاءات ضريبية).

كل هذه القرارات المجحفة التي اتخذتها حكومة "البيجيدي" لم يغن قادة الحزب وبرلمانييه عن المطالبة بتحميل عموم المواطنين تكاليف مواجهة جائحة "كورونا"، إذ بدون استحياء دعا الفريق النيابي للحزب بالبرلمان الحكومة إلى فرض التضامن الإجباري الذي ينص عليه الفصل 40 من الدستور. كان أحرى بنواب الحزب ووزرائه أن يطالبوا بإلغاء تقاعد البرلمانيين والوزراء ووقف تفريخ مجالس الريع التي تستنزف المالية العمومية (آخرها مجلس الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء)، ثم يعلنون التنازل عن جزء من تعويضاتهم ورواتبهم ليعطوا المثال لباقي البرلمانيين والوزراء والموظفين السامين عن التضامن الوطني الذي يوجبه الوضع الناتج عن جائحة "كورونا". ففي عز الأزمة تظهر الروح الوطنية الحقة.