رأي

عبد السلام الصديقي: خطاب الوضوح والأمل

لا تزال بلادُنا تعيش أجواءَ يغلُبُ عليها طابع اللايقين والقلق، مع أنه من المؤكد أن التدابير التي تم اتخاذها منذ ظهور جائحة كوفيد – 19 إلى حدود اليوم كانت في غاية الأهمية، حيث قدمت في وقتها الأجوبة اللازمة للمشاكل المطروحة حينها، كما أن صندوق كوفيد – 19 لعب، كما ينبغي، دوره في تحقيق الاستقرار الاجتماعي والإنقاذ الاقتصادي.
ومع الخروج من الحجر الصحي والشروع في الاستعادة التدريجية للنشاط، كان من الضروري الانتقال إلى مرحلة جديدة تقتضي تدابير جريئة وكفيلة، لوحدها وبذاتها، ببعث الأمل وتبديد الشكوك، من أجل استرجاع الثقة وتمكين اقتصادنا من إخراج رأسه من تحت الماء.
ولهذه الغاية كان الخطاب الملكي الموجه إلى الأمة، بمناسبة الذكرى الواحدة والعشرين لتربع جلالته على العرش، خطابا مُنتظرا بشدة.
وبالفعل، فقد قام الملك بمسك الأمور بيديه مُدركا "حجم الآثار السلبية، التي خلفتها هذه الأزمة، ليس على المستوى الصحي فقط، وإنما أيضا على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي"، وموجها رسائل قوية ومُــعَــبِّــــئَــة في شكل خارطة طريق بالنسبة للسنوات القادمة.
هذه التدابير التي تم تقديمها بمنهجية واتساق بالغين، تهم، في نفس الآن، ما هو اقتصادي وما هو اجتماعي وما يرتبط بالحكامة.
فعلى المستوى الاقتصادي، نستشف من الخطاب الملكي الإعلان عن خطة طموحة للإنعاش الاقتصادي بغلاف مالي يقدر ب 120 مليار درهما، وهو ما يعادل 11% من الناتج الداخلي الخام ، من أجل "تمكن القطاعات الإنتاجية من استعادة عافيتها، والرفع من قدرتها على توفير مناصب الشغل، والحفاظ على مصادر الدخل".
كما تم التنصيص، ودائما في المستوى الاقتصادي، على إحداث صندوق للاستثمار الاستراتيجي، مهمته دعم الأنشطة الإنتاجية ومواكبة وتمويل المشاريع الاستثمارية الكبرى بين القطاعين العام والخاص.
أما على المستوى الاجتماعي، فقد تعلق الأمر بتعميم التأمين الإجباري عن المرض والتعويضات العائلية، قبل توسيع برنامج العمل ذي الصلة، ليشمل التقاعد والتعويض عن فقدان العمل. كما يهم تفعيل السجل الاجتماعي الموحد والتعميم الفعلي للتغطية الاجتماعية في أفق سنة 2025.
وبخصوص الحكامة، فقد نادى جلالة الملك إلى "إصلاح عميق للقطاع العام، ومعالجة الاختلالات الهيكلية للمؤسسات والمقاولات العمومية، قـصد تحقيق أكبر قدر من التكامل والانسجام في مهامها، والرفع من فعاليتها الاقتصادية والاجتماعية".
ولهذا الغرض، يُرتقب إحداث وكالة وطنية مهمتها التدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة ومواكبة أداء المؤسسات العمومية.
نحن، إذن، أمام مجموعة متكاملة من الأوراش تتمحور حول ثلاثة ميادين هيكلية ومُهيكِلة. وعلى الحكومة أن تكون في مستوى الطموحات الملكية المُعبر عنها بقوة، بمناسبة ذكرى نقدر دلالتها الرمزية وحمولتها التاريخية.
فالملك، الذي أبى إلا أن يُطمئن المواطنات والمواطنين من خلال استعمال عبارات تحمل عواطف جياشة لا يمكن أن تصدر سوى عن أبِ أسرة عطوف، أعلن بكل وضوح عما ينبغي القيام به، وما على الحكومة إلا أن تشمر على سواعدها وتتصرف كفريق تحذوه الرغبة في ربح المقابلة.
وأول شيء يتعين أن تقوم به الحكومة هو وضع حد لخصومات نهاية الأسبوع وللحسابات السياسوية الضيقة التي تحد من فعالية عملها. فلا يمكن الاستمرار في بعثرة الجهد، حيث البعض يجر نحو الشرق والبعض الآخر نحو الغرب. وهذا من مسؤولية رئيس الحكومة الذي عليه أن يضبط فريقه ليكون فعلا بمثابة "مايسترو للأوركسترا" الحكومية.
فالوقت يداهمنا، وأجرأة وتفعيل خطة الإنعاش الاقتصادي ليس بالأمر الهين، إذ يتطلب في البداية هندسة التركيبة المالية لهذه الخطة، مع تحديد وسائل التمويل، مع ما يقتضيه ذلك من تحكيمات ضرورية وخيارات مذهبية. كما ينبغي أيضا الانتقال إلى التوطين القطاعي والترابي للمخطط، ذلك أنه لاحظنا من خلال تجربة صندوق كوفيد – 19 كيف تتسابق مختلف القطاعات والفئات لتكون في طليعة المستفيدين، من أجل الحصول على أكبر حصة مما تعتبره كما لو أنه "غنيمة".
فخطة الإنعاش، كما يدل عليها اسمها، من المُفترض أن يكون لها مرامي وأهداف مبنية على رؤية واضحة وشاملة واستراتيجية ومُنتجة. وهي (خطة الإنعاش) أبعد ما يكون عن كونها "صندوقا للصدقة".
فالخطة تتوخى، وجوبا وأساسا، دعم المقاولة التي توجد في وضعية صعبة للنهوض بها، وإلى حماية فرص الشغل، وتحفيز التوظيفات الجديدة، وخلق ديناميات ترابية، وذلك كله في إطار الانخراط في أفقٍ استراتيجي يضع المصلحة العامة والعليا للبلاد فوق كافة الاعتبارات الأخرى.
* عبد السلام الصديقي، أستاذ جامعي، ووزير التشغيل والشؤون الاجتماعية الأسبق