تحليل

حتى لا يتحول العيد إلى مأثم...

كفى بريس (موقع حزب العدالة والتنمية)

بعد إغلاق 8 مدن نشر موقع حزب العدالة و التنمية افتتاحية يعلن فيها عن مساندته للقرار، و تدعو إلى "التحرر" مما وصفته بـ " سلطة التقاليد".

مباشرة بعد صدور البلاغ المشترك لوزارتي الصحة والداخلية الأحد 26  يوليوز، والقاضي بمنع التنقل من وإلى ثمانية مدن مغربية، تعالت أصوات منددة بالقرار، متهمة الحكومة بالارتجال وعدم مراعاة ظروف الناس وتحويل تلك الليلة الى جحيم شهدته الطرقات ومحطات الأداء بالطرق السيارة، وتقاسم رواد مواقع التواصل الاجتماعي صورا لهذه المشاهد، وعززوها بصور حوادث سير متفرقة جراء الازدحام في الطرقات، أما أصحاب "الحسنات"، الذين بلغوا درجة " الإحسان" في الوشاية والاصطياد في المياه العكرة، فقد رفعوا السقف عاليا، وتداعت كتائبهم للمطالبة بإقالة الحكومة أو استقالتها!.  

فهل فعلا قرار منع التنقل من وإلى تلك المدن كان ارتجاليا؟ أم أن هناك مؤشرات سابقة تدل على أننا يمكن أن نصل في أي وقت الى مثل القرار أو أكبر منه؟

أولا يجب أن نقرأ المعطيات كما هي في الواقع لا كما تشتهيها أنفسنا، فالوضع الوبائي في المغرب بدأ يسجل أرقاما غير مسبوقة، إذ تعدت الإصابات سقف  800 إصابة، وعلى مدى أيام لم ننزل عن تسجيل ست الى سبع حالات وفاة يوميا، هذه المعطيات بإلاضافة  الى تركز هذه الحالات في مناطق محددة، تجعل المدبر العمومي والذي شهد له الداخل والخارج بنجاعة تدبيره حتى أصبح محط تنويه دولي، لا يمكنه القفز على هذه المعطيات ولا تجاهلها، خصوصا ونحن على أهبة الاحتفال بعيد له رمزيته لدى المغاربة.

من جهة أخرى لا يمكن نسيان أو تناسي أن بلدنا مازال يعيش مرحلة الطوارئ  الصحية، بكل ما تحمله هذه اللفظة من مدلول، وما تتيحه من إمكانات قانونية للمدبر العمومي لاتخاذ ما يلزم من إجراءات، على أرضية أسبقية وأولوية صحة المواطنين على أي شيء آخر، وبالمناسبة فالذي يجب أن نذكر به في هذا الصدد، هو أن القرار على هذا المستوى لا يتخذ اعتباطا أو تماهيا مع الرغبات وما تتمناه الأنفس، وإنما القرار هنا محاط بكل الاحتياطات التي تجعله منسجما مع المخرجات العلمية والصحية للخبراء، وكذلك الاحتياطات التي يمكن أن  تبديها جهات أخرى كالجهات الأمنية واللاقتصادية وغيرها، بمعنى أن القرار يكون محاطا من كل جوانبه بما يلزم من احتياطات واحترازات.

كما أننا لا نحتاج أن نذكر إلا من كانت ذاكرته قصيرة أو يريد أن نراه كذلك، بأنه سبق لرئيس الحكومة قبل أسبوع  في ندوة صحفية مع وزير الصحة، أن دعا المواطنين الى عدم السفر في أيام العيد، بما يعني أننا كنا ننتظر أن تخرج مثل هذه القرارات، وآخر خروج إعلامي لوزير الصحة لم يستبعد إذا استمرت المؤشرات في التصاعد من العودة الى الصيغة الأولى من الحجر الصحي حفاظا على صحة المواطنين.

 إذن فمن هذه الجهة القرار لم يكن مفاجئا بل إن منا من انتظره ورتب عليه سلوكه واستعد بما يكفي وبما يلزم لأي احتمال من قبيل الإغلاق او العودة الكاملة لأجواء الحجر الصحي في صيغته المشددة،

قد تكون طريقة الإعلان عن القرار هي المفاجئة والمدة المتبقية على نفاذه هي من تسبب في الإرباك الذي وقع على الطرقات، ولكن الذي يجب أن ننتبه له هو لماذا وقع الذي وقع؟ ألأن إعلان القرار لم يترك فرصة للناس بما يكفي؟ أم أن ثقافتنا وسلوكنا الجماعي لم يتحررا بما فيه الكفاية من سلطة العادات المجتمعية التي قد ترتفع في بعض الأحيان الى درجة الفريضة الشرعية في وعينا الجماعي؟ فالعيد في مخيالنا الجماعي ليس فقط هو تلك الشعيرة التي نتقرب الى الله بها، وإنما هو أجواءٌ وسلوكاتٌ وتجمعاتٌ وتقاليد، ما زال المغربي متشبتا بها بل وقابعا تحت سلطتها المعنوية والرمزية، فمن الأولى بالحفاظ عليه، حياة الناس أم تلك التقاليد بسلطتها وحضورها الرمزي؟ إن السؤال الحقيقي هو هذا، وأن على كل واحد منا أن يجيب عليه من خلال  ما يختار من سلوك.

فقط وعلى سبيل الختم، وحتى لا تكون ذاكرتنا مثقوبة، كلنا يتذكر جهات في المملكة لم تشهد حالات الإصابة إلا نادرا، ومنها من كان يسجل 0  حالة طيلة الأشهر الثلاثة الأولى لإعلان حالة الطوارئ الصحية، ولكن بمجرد إعلان التخفيف الأول والثاني، حتى أصبحت تسجل عشرات الحالات بتلك الجهات، فهل منا من يضمن نفسه أن لا يكون سببا في نقل العدوى لأناس يحبهم ويحبونه وحباهم الله بالعيش في محيط أسباب الإصابة فيه تكاد تكون منعدمة؟ إنه سؤال ثان يسائل أنانيتنا، ينضاف الى السؤال الأول الذي يسائل قدرتنا على التحرر من سلطة التقاليد، فهل من مذكر!