فن وإعلام

مستقبل واعد ينتظر السياحة العلمية والثقافية بعد تهيئة الموقع الأركيولوجي إيغود

فؤاد بنجليقة

على بعد 70 كيلومترا جنوب شرق آسفي، يقع الموقع التاريخي والأركيولوجي جبل إيغود التابع لإقليم اليوسفية، الذي أسال الكثير من المداد، خلال السنوات الأخيرة، ولفت انتباه المنتظم العلمي الدولي، بفضل الاكتشافات الأركيولوجية الأخيرة الوجيهة، ما ينذر بمستقبل واعد ينتظر هذا الموقع سيمكنه من أن يصبح وجهة حقيقية للسياحة العلمية والثقافية.
ويزخر هذا التراث الأركيولوجي المتفرد بعدد من الحفريات البشرية التي تشمل جمجمتين للإنسان العاقل (إيغود 1 وإيغود 2) والفك السفلي وعظم عضد طفل (إيغود 3 وإيغود 4)، ما أتاح معطيات أركيولوجية جديدة مكنت من تحديد أصل الإنسان العاقل.
واكتسبت جماعة إيغود سمعة كبيرة سنة 2017، عندما اكتشف فريق من الباحثين المغاربة والفرنسيين لقى أثرية حاسمة لحفريات إنسان عاقل تعود لـ300 ألف سنة، وهو الاكتشاف الذي قلب المعارف العلمية التي كانت تؤرخ لأصل الإنسان العاقل عند 200 ألف سنة، وأدي إلى اعتبار هذه المنطقة مهدا للإنسانية.
ولا يقف الأمر عند هذا الحد، فمنذ أن ارتبط اسم جماعة إيغود بالاكتشافات العلمية الذهلة، تغيرت حياة الساكنة المحلية التي تبلغ 20 ألف نسمة، بآمالها وانتظاراتها خاصة بعد إعلان السلطات العمومية لمشاريع كبرى في إطار مشروع كبير لتأهيل هذا الموقع والأماكن المحيطة به.
وهكذا، رأى النور برنامج طموح لتأهيل الموقع الأركيولوجي ومركز جماعة إيغود (على بعد ثلاثة كيلومترات عن موقع جبل إيغود)، وذلك طبقا لمقتضيات الاتفاقية الموقعة في أكتوبر 2018 بين مختلف القطاعات الوزارية المعنية، بكلفة إجمالية تقدر بـ310 ملايين درهم.
وبالمناسبة، أكد المهندس بعمالة إقليم اليوسفية، حميد كمال، أن هذه المشاريع، حينما سترى النور، سيكون لها أثر كبير على شروط عيش الساكنة.
وأوضح كمال، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن هذا البرنامج الطموح والمندمج يضم أزيد من 30 مشروعا تروم تهيئة وتثمين الموقع الأركيولوجي لإيغود (50 مليون درهم)، وتأهيل مركز الجماعة الترابية إيغود (125 مليون درهم)، وكذا توسعة وتقوية المحاور الطرقية المتصلة بالموقع التاريخي ومحيطه (135 مليون درهم).
وأضاف أن شركاء هذا البرنامج الممتد على مدى ثلاث سنوات (2018-2020)، هم وزارة الداخلية ووزارة التجهيز والشباب والرياضة والمجالس المنتخبة (مجلس الجهة والمجلس الإقليمي لليوسفية وجماعة إيغود).
وفي معرض حديثه عن الجانب الثقافي لهذا الورش الكبير، اعتبر المدير الجهوي للثقافة بمراكش آسفي، عزوز بوجميد، أن هذا الموقع التاريخي المدرج منذ 20 نونبر 2017، ضمن قائمة التراث الوطني، يستحق أن يتوفر على مركز تراثي جدير بهذا الغنى والتفرد الأركيولوجي لموقع إيغود.
وأوضح بوجميد، في تصريح مماثل، أن إحداث هذه البنية المندمجة ستشكل، إلى جانب دورها في صون وتثمين أحد الجوانب التراثية الوطنية، نقطة مركزية للأبحاث التاريخية على صعيد إفريقيا وستمكن من إشعاع أكبر للنتائج المحققة، لاسيما لدى منتظم الباحثين على الصعيد الدولي.
وسيتوفر هذا المركز، الذي سيكلف مبلغا يصل إلى 30 مليون درهم والمطابق للمعايير الدولية، على فضاء مخصص لاستقبال الجمهور (إعلام، تذاكر ومتاجر …) وفضاءات للعرض (دائمة ومؤقتة وتعليمية …) وفضاء بيداغوجيا (تنشيط وورشة) وفضاء للمطالعة والتوثيق، إلى جانب فضاء مخصص للطاقم الإداري والمستخدمين ولتطوير مهام المركز.
وسيشمل هذا المركز أيضا، فضاء للحفاظ على التحف والإعداد للمعارض، وفضاء للوجستيك وصيانة البناية، ومساكن وظيفية، إلى جانب مساكن مخصصة للأركيولوجيين المنقبين عن لقى أثرية بـ”دار الأركيولوجيين”.
وفي هذا الإطار، أعلن بوجميد عن استكمال كافة الدراسات الأساسية المرتبطة بإحداث هذا المركز التراثي، وإطلاق أشغال إنجاز هذه البنية ذات الحملة العلمية الكبير في غشت أو شتنبر المقبل.
وستهم تهيئة موقع جبل إيغود توطين لوحات إرشادية وإحداث ولوجيات للأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة، وتهيئة مسلك للزيارة، وتوطين مقر للموقع يتلاءم مع الجانب التراثي لهذه المنطقة، وذلك في احترام دقيق لبيئتها الطبيعية، إلى جانب إقامة نظام داخلي وخارجي للإنارة.
وارتباطا بالجانب المتعلق بالبنيات التحتية، تتولى مجموعة العمران، طبقا لمقتضيات الاتفاقية الموقعة، الإشراف على تنفيذ مشاريع ممولة من طرف وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة ووزارة الصحة.
وفي هذا الإطار، أشار مدير وكالة العمران بآسفي – اليوسفية، حامت فرحاتي، الى أن المشاريع الممولة بقيمة 35 مليون درهم من طرف وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، تهم تهيئة المسلك الرئيسي لمركز إيغود (16 مليون درهم) وتأهيل الأحياء وتهيئة الساحة المركزية.
وأضاف فرحاتي أن المجموعة ستشرف على مشاريع ممولة من قبل وزارة الصحة، من ضمنها توسيع مركز الصحة بالجماعة، مع إحداث مصلحة مستعجلات للقرب وبناء دار للأمومة.
من جانبه، أكد ممثل المديرية الإقليمية للتجهيز بآسفي، محمد أمين بدر التاج، أن ثلاثة مشاريع سترى النور على صعيد هذه الجماعة الترابية. ويتعلق الأمر أساسا، بتقوية المحاور الطرقية الرابطة بين إيغود ومدن شيشاوة وآسفي والصويرة، وكذا مشروعين لبناء منشآت فنية.
ويهم هذا البرنامج الطموح أيضا، مكونا بيئيا يتعلق بتهيئة المطرح العمومي لمركز إيغود وأشغال التطهير ومعالجة المياه العادمة، التي ستنتهي الأشغال بها قريبا.
من جهته، أبرز رئيس جماعة إيغود، خالد الخلادي، أهمية هذه المشاريع الهيكلية وآثارها الإيجابية، التي من شأنها أن تساهم في تنمية الجماعة وتقوية تحسين جودة البنيات التحتية على مستوى هذا الجزء من التراب الوطني، مشيرا إلى أن هذا البرنامج يتضمن إنجاز مقر جديد لجماعة إيغود.
بدوره، أشاد رئيس مؤسسة التراث والأبحاث الأركيولوجية بإيغود، نجيب بن علو، بإحداث هذا البرنامج الكبير، الذي يرمي إلى تثمين موقع جبل إيغود وتحقيق التنمية المستدامة المنشودة بهذه الجماعة.
وأشار بن علو إلى أن المشاريع المبرمجة في إطار هذا الورش الكبير تتواصل بوتيرة حثيثة، مذكرا بأن هذا البرنامج يستجيب لانتظارات ساكنة هذه الجماعة القروية.
وشدد على أن الجماعة القروية لإيغود أصبحت ورشا مفتوحا لمشاريع هيكلية ومندمجة، ستغير من مشهد هذا الجزء من التراب الوطني.
وبفضل هذه المشاريع الطموحة والحديثة، تطمح جماعة إيغود والمناطق المحاذية لها إلى الاستفادة من قربها من الوجهات السياحية البارزة بالمغرب كمراكش والصويرة، واستقطاب تدفقات مهمة من السياح.
ومع تهيئة الموقع التاريخي جبل إيغود وإحداث مشاريع ملائمة تستجيب للانتظارات والمتطلبات في مجال التنمية المستدامة والمندمجة، سيساهم إقليم اليوسفية في تنويع العرض السياحي المقترح على صعيد جهة مراكش آسفي، مع فتح الطريق أمام بروز ونهوض سياحة علمية وأركيولوجية حقيقية.
ومن شأن هذه المشاريع الكبرى أن ترتقي بهذا الموقع الأركيولوجي إلى وجهة ثقافية وسياحية لا محيد عنها، تؤشر للمقاربة الناجعة للمغرب تحت القيادة المستنيرة للملك محمد السادس، الرامية إلى صون وتثمين التراث التاريخي كمكون أساس في الهوية الوطنية ووضعه رهن إشارة الأجيال الصاعدة، انطلاقا من قناعة مفادها أن أمة بدون تاريخ لن يكون لها مستقبل.

(وم ع)